محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

«تعاطي» غاز الضحك!

قرأت تقريرا بثته وكالة الأنباء العالمية «رويترز» مفاده توقعات بأن تختفي أسطوانات غاز أكسيد النيتروز، أو ما يعرف بـ«غاز الضحك»، وهو «أشهر وسيلة انتشاء» سريعة هنا في بريطانيا، وذلك بعد أن قام مجلس بلدية لامبيث، جنوب البلاد، بحظره، الأمر الذي يتوقع أن تحذو حذوه جهات أخرى.
والسبب أن البعض صار يشتري هذه الأسطوانات أو الغاز المفرغ في بالونات ليستنشقها في النوادي الليلة، أو ما يطلق عليه «حفلات الضحك»، الأمر الذي جعله سببا في وفيات أشخاص أفرطوا في استنشاقه، وأقر مراهقون في إحصائيات حكومية بتعاطيه، حتى حل ثانيا بعد القنب.
اللافت أن هذا الغاز الذي اكتشف في مطلع القرن التاسع كان يؤمل به التخفيف من وطأة آلام المخاض والمرضى في عيادات الأسنان وغيرها كمخدر. غير أنه سرعان ما ضَل طريقه نحو استخدامات خاطئة.
والسؤال هو لماذا صرنا نبحث عن غاز، بأي ثمن، لنضحك. هل هو هروب من الواقع الأليم؟ أم نفور من سماجة الطرح الهابط في الشاشات الصغيرة والكبيرة؟ أم بحث عن حالة مزاجية مريحة لم نعد نعرف كيف نوجدها في جدولنا المزدحم باللقاءات الجادة. أم أننا نسينا أن السعادة تتجلى حينما نتقاسمها مع آخرين. شخصيا أحاول يوميا أن أختم يومي، وأحيانا أبدأه، بفيديوهات فكاهية تدخل البهجة في نفسي، وفِي نفوس من أرسل لهم هذه اللقطات الباسمة.
الغريب أننا نخطط لكل شيء وننسى التخطيط لجلسات من الضحك والابتسامة. وصرنا نغرق في شبه نقاشات مشبعة بالسياسة والقضايا الدينية الخلافية، فينتهي بِنَا لقاء كان هدفه الأنس الاجتماعي إلى نقاش عقيم وتلاسن لفظي. ولحسن الحظ فإن الأحاديث الباسمة الرزينة تقرب ولا تنفر، بعكس الجدل السياسي الذي يستنزف طاقتنا ونحن سببه، لأننا «قررنا» المشاركة.
أما دراسات الضحك وحدها فلا تعد ولا تحصى، منها ما وجده علماء من جامعة أكسفورد من أن نوبات الضحك لا تشعر البعض بآلام معينة، وذلك بعد أن أظهرت دراساتهم أن المشاركين الذين كانوا يشاهدون مقاطع مضحكة لم يشعروا بوخز الألم الناتج عن جهاز ضغط الدم، الذي يضغط بقوة نسبية على الجزء العلوي من ذراعهم، حيث كانوا منهمكين في الضحك، وذلك بسبب تأثير الهرمون المؤدي للضحك.
والضحك المعتدل مطلوب وصحي، وليس مرتبطا بالضرورة بالكلام، فكثير من الأفلام الصامتة تضحك المرء، وكذلك إيماءات من حوله كالأطفال والكبار الذين يمتلكون من حس الدعابة ما لو قسم على أهل مدينة لكفاهم. هؤلاء أيضا يستحقون أن نشركهم بالحديث، ونستضيفهم، ونفسح لهم في المجالس، ليضفوا على لقاءاتنا مزيدا من البهجة في زمن سادت فيه الأخبار المتجهمة.
وقد آن الأوان لنكفّ عن التعاطي في شؤون الآخرين، ونبدأ «بالتعاطي» المشروع في أحاديث باسمة يوميا. فالابتسامة أيضا ضحكة صامتة، وهي بداية مشروع ضحكة تنفرج بها أساريرنا.