د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

استقرار الزواج رفاهية صحية أعلى

قد يكون المتنبي قد أخذ شطر بيته القائل: «وبِضِدِّها تَتَبَيَّنُ الأشياءُ» من قول الشاعر دوقلة المنبجي: «والضِّدُّ يُظهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ» في قصيدته المُسماة «اليتيمة»، ولكن تظل المقارنة بين الأضداد سلوكا فطريا لدى الإنسان وحقيقة يصل العقلاء إليها لا محالة عند التفكير البسيط، وتظل إحدى وسائل إثبات الجدوى أو الضرر في المجالات الطبية والصحية عبر تتبع تأثيرات «حالات الضدّ» على صحة الإنسان وعلى مدى حصول التداعيات الطبية.
على سبيل المثال، عندما حاول الباحثون من جامعة ديوك في «دورهام» بالولايات المتحدة البحث عن الظروف التي ترفع من احتمالات البقاء على قيد الحياة بعد الإصابة بنوبة السكتة الدماغيةStroke Survival، وجدوا أن عامل «علاقة الزواج المستقر» Stable Marriage أمر لا يُمكن إهمال تأثيراته، وأن المقارنة بين حالة الزواج وحالة عدم الزواج تُظهر اختلافًا واضحًا في معدلات احتمالات البقاء على قيد الحياة بعد الإصابة بنوبة السكتة الدماغية، وذلك على قول: «وبضدها تتبين الأشياء»، و«الضد يُظهر حُسنه الضد». ووفق ما تم عرضه ضمن عدد 14 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من مجلة «رابطة القلب الأميركية» Journal of the American Heart Association، أفاد الباحثون في نتائج دراستهم الحديثة بأن الذين يعيشون فترة طويلة من الزواج المستقر ترتفع لديهم فرص البقاء على قيد الحياة حال الإصابة بالسكتة الدماغية بالمقارنة مع الذين يعيشون حياة العزوبية لفترة طويلة، أو المُطلَّقين. وتحديدًا أفاد الباحثون بأن الأشخاص العزاب طوال حياتهم كانوا بنسبة 70 في المائة أعلى عُرضة للوفاة بعد الإصابة بنوبة السكتة الدماغية مقارنة بالذين أصيبوا بها وينعمون بالزواج المستقر، وأن الذين يعيشون حالة طلاق كانوا بنسبة 40 في المائة أعلى عُرضة للوفاة بعد الإصابة بنوبة السكتة الدماغية مقارنة بالذين أصيبوا بها وينعمون بالزواج المستقر. وتابع الباحثون في دراستهم أكثر من 2350 شخصا أصيبوا بالسكتة الدماغية وتمت متابعتهم بالمتوسط لمدة 5 سنوات. وأكد الباحثون أنهم لا يعلمون بدقة ما سبب هذه الملاحظة في نتائج دراستهم، ولكنهم أفادوا بأن الدراسة تسلط الضوء على الأهمية المحتملة لدور الدعم الاجتماعي في رفع احتمالات البقاء على قيد الحياة بعد الإصابة بالسكتة الدماغية، والزواج من أفضل أنواع الدعم الاجتماعي للإنسان. وقال الدكتور ماثيو ديبري، الباحث المشارك في الدراسة من جامعة ديوك: «الدعم الاجتماعي يُساعد المرء على الالتزام بتناول الأدوية والحرص على إجراء تغيرات نحو ممارسة السلوكيات الصحية في الحياة اليومية».
وعلق البروفسور رالف ساكو، أستاذ علم الأعصاب ورئيس «رابطة القلب الأميركية» سابقًا، بالقول: «إن دعم شريك الحياة له فوائد صحية». والبروفسور ساكو هو الرئيس السابق الوحيد لـ«رابطة القلب الأميركية» من بين أطباء الأعصاب، وذلك فيما بين عامي 2010 و2011. وأضاف: «شريك الحياة يُقدم الدعم العاطفي ويُساعد بشكل يومي شريك حياته في الحرص على تناول الطعام الصحي وتذكر تناول الأدوية، وقد يعد بعض الناس أن هذا إلحاحًا مزعجًا، ولكنه في الحقيقة مساعدة مفيدة». وفي دراسة سابقة للبروفسور ساكو أفادت النتائج بأن الذين لديهم أصدقاء ترتفع لديهم احتمالات البقاء على قيد الحياة بعد الإصابة بالسكتة الدماغية مقارنة بالذين لا أصدقاء لهم.
وتتفق المصادر الطبية مع مراكز الإحصاءات، مثل «مكتب الإحصاءات القومية» ببريطانيا ONS، في تأكيدها أن زواج الإنسان من السلوكيات الحياتية التي تجعله يعيش في مستوى صحي أعلى وبزيادة في مقدار العمر المتوقع Life Expectancy وقدر أكبر من السعادة والراحة النفسية. وتحديدًا يذكر البروفسور آندرو أزوالد، من جامعة واريك، في إحدى دراساته الطبية أن التدخين يُقلل 7 سنوات من العمر المتوقع للشخص، والزواج يُضيف للزوج 7 سنوات بالمقابل، ويُضيف للزوجة 3 سنوات. وأضاف: «إننا لا نعلم لماذا يحصل هذا، ولكن ربما هو عدم الشعور بالوحدة». ووفق تقرير وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية، فإن الزواج يُقلل من احتمالات الإصابة بالاكتئاب لدى الرجال والنساء، وكذا أشارت نتائج دراسات أخرى إلى أنه أيضًا يُقلل من الشعور بالتوتر النفسي، وأن المتزوجين السعداء يتمتعون بضغط دم أكثر قربًا للطبيعي. وخلال المؤتمر السنوي لـ«المجمع البريطاني لطب القلب» لعام 2016، تم عرض نتائج دراسة مدى تأثير الزواج على فرص البقاء على قيد الحياة بعد الإصابة بنوبة الجلطة القلبية، وفيها أفاد الباحثون بأن المتزوجين لديهم فرصة أعلى للبقاء على قيد الحياة بعد نوبة الجلطة القلبية بنسبة 14 في المائة مقارنة بغير المتزوجين. والمتزوجون، كما يقول البروفسور هاري ريس، المشارك في صياغة موسوعة العلاقات الإنسانية EHR، أقل اضطرارًا لتكرار زيارة الأطباء وأقل بقاء في المستشفى حال مرضهم.
ولذا بالنسبة للرجل الباحث عن الرفاهية الصحية Health Wellbeing، يظل البحث عن «الاستقرار» أمرا مهما بعد البحث عن «الزوجة». وتتفق مصادر الطب النفسي على أن ثمة عوامل عدة تُعطي نعمة «الاستقرار» في الزواج، وتختلف المصادر تلك في ترتيب عناصرها. ويبقى عامل «التواصل» هو المفتاح للسعادة الزوجية وللاستقرار الطويل الأمد فيها، ذلك أن سوء الفهم للآخر أو التواصل الضعيف مع الآخر في الزواج هو جذر أسباب المشكلات، ومنهما تنمو كل براعم الخلافات الزوجية. ويليه عامل «السلبية» في التعامل فيما بين الزوجين، ثم تدني التواصل الجسدي الحميم بينهما، وعدم حفظ الاحترام والعدل في التعامل فيما بينهما، وتدني مستوى فهم كل منهما للآخر، وانخفاض مستوى الثقة، وإهمال رفع مستوى جودة الوقت الذي يُمضيانه معًا.
والواقع أن كسب مستوى مستقر في العلاقة الزوجية أمر يستحق أن يبذل الزوجان كلاهما، كل جهد ممكن لديهما بغية الوصول إليه، وأن يستعينا بمنْ يُعين في ذلك، خصوصا مع كثرة إفادة نتائج الدراسات الطبية بأنواع شتى من الفوائد الصحية لذلك الاستقرار.