د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

ترامب صادق في وعوده

المتابع للشأن الأميركي خلال هذه الأيام وتحديدًا المتمعن في الملامح السياسية للشخصيات التي قام بتعيينها مؤخرًا الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يلحظ بسهولة متناهية، أن الرجل مخلص للمواقف التي أطلقها في حملته الانتخابية وأثارت ضده عدم الاطمئنان لخطابه المتشدد القائم على التمييز في دولة قامت على فكرة الحلم للجميع.
وتتعارض هذه الملاحظة مع بعض القراءات التي رأت أنّ هناك فرقًا كبيرًا بين خطاب الحملة الانتخابية وخطاب ما بعد الفوز بالحكم، وهو ما يؤكده اختياره للفريق الذي سيعمل معه مع ما تمثله تلك الاختيارات من دلالات ورسائل للعالم العربي والإسلامي بشكل خاص.
ولعل مسألة تعيين ترامب لمستشاره في حملته الانتخابية ديفيد فريدمان المعروف بتأييده للاستيطان وبقربه من النخبة الحاكمة في إسرائيل، إنّما تندرج ضمن الوفاء لدعوته خلال الحملة الانتخابية إلى الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، أي أننا أمام رسالة سيئة المضمون للفلسطينيين والمسلمين بشكل عام، وذلك باعتبار أهمية المسألة الفلسطينية حتى ولو انتقلت من طور المركز إلى الهامش بحكم تشعب التوترات والصراعات وتعقد الوضع الشرق أوسطي في السنوات الأخيرة. إن أغلب الظن أن إسرائيل، التي لطالما وُصفت بالطفل المدلل ستزداد دلالاً في لحظة فلسطينية إسرائيلية مفتوحة على كل السيناريوهات؛ إذ أن أي دعم وتقوية للطرف الإسرائيلي يكونان آليًا على حساب الجانب الفلسطيني.
الواضح أن الرّئيس الأميركي المنتخب يسير في طريق إثارة الحساسيات والمخاوف أكثر منه توفير أرضية حوار ومفاوضات، بل يبدو في الأفق أن السياسة الخارجية في أثناء فترة حكم (الرئيس) ترامب تجاه العالم الإسلامي، ستعرف تحولاً نوعيًا في الاتجاه السيئ.
أيضًا وفي نفس السياق، فإن الرئيس المنتخب ترامب اختار السيد جون كيلي ليُقلده منصب وزير الأمن الوطني وهو المعروف بعدائه للعرب والمسلمين، الأمر الذي ينطبق أيضًا على اختياره لمايكل فلين الذي يتقاطع مع كيلي في معاداة المسلمين.
إن الغرض من استعراض هذه الأسماء، التي اختارها ترامب هو التقاط مؤشرات سياسته الخارجية وما إذا كانت هذه المؤشرات في تطابق مع وعود خطاب حملته الانتخابية الظاهر والمستبطن. ومن ثم فنحن أمام تصعيد مُقنع في المرحلة الرّاهنة، يحمل رسالة واضحة مفادها أن الإدارة الأميركية الجديدة ستتبنى استراتيجية التفاعل فيها مع قضايا العالم الإسلامي سيكون محدودًا. بل إن الأنكى من كل هذا أن الرسالة التي نلتقطها أن ترامب ينظر للعالم الإسلامي نظرة واحدة وكأنّه يخلط بينه وبين التنظيمات التكفيرية. وفي أقل الحالات فهو يرى أن تلك التنظيمات هي من نتاجه وتعبر عنه وجزء منه ثقافيًا ودينيًا.
وهنا في تقديرنا مكمن الخطر ومربط الفرس؛ ذلك إن الرهان على شخصيات معروفة بمعاداة المسلمين يعني آليًا ومبدئيًا أن المسلمين مستهدفون أكثر من هنا فصاعدًا، وهو في الحقيقة ما يسهم في تقوية مشاريع الإرهاب والموت ويجعل المنتمين إليها أكثر ويضعف من قدرة الدول العربية والإسلامية على القيام بالحرب على الإرهاب. ذلك إن الولايات المتحدة الأميركية تكون بهذه الاختيارات بصدد إضعاف النخب السياسية والفكرية والثقافية التي تحاول مقاومة ثقافة الإرهاب وتنظيماته عن طريق التركيز على خطاب الأنسنة والتواصل مع الغيرية المختلفة بدل الصراع معها.
ولا نعتقد أن السير في نهج إذكاء فكرة الصراع وتمظهراتها ذات الصلة بالعنف في أشكاله المختلفة، يساعد الأطراف المعنية بمعالجة ظاهرة الإرهاب والقضاء على تنظيماته.
في الحقيقة يبدو المشهد الدولي غير واضح - رغم بعض الوضوح - وكثير من المؤشرات تدل أننا مقبلون على المزيد من التوترات أكثر منه التهدئة؛ ذلك إن صوت العقل يبدو غائبًا في إدارة توترات العالم واستراتيجية محاربة الإرهاب قائمة على إضفاء المشروعيّة على مشاريع التنظيمات الإرهابية التي تنطلق من أطروحة معاداة الغرب للإسلام والعروبة.
ولا شك في أن هذه المؤشرات المشار إليها وغيرها الذي سيظهر في القريب العاجل لا تخدم حتى أوروبا التي تقاوم الكثير من بلدانها الأصوات اليمينية المعادية للجاليات العربية المسلمة.
إنه لمشكل حقيقي أن تتبنى أقوى دولة في العالم خطابًا متشددًا. قد يرى البعض في ذلك سياسة حاسمة ومباشرة وأن الذين سبقوا ترامب كانوا في الواقع والممارسة مثله ولا يختلفون عنه إلا في الخطاب، ولكن هذه المباشراتية سيكون لها ثمن وستضعف قوى الحرية والاعتدال ودعاة التواصل، باعتبار أن التعويل على شخصيات من مميزاتها عداء المسلمين ومعروفين بالولاء والصداقة مع إسرائيل إنما يمثل بمثابة حجج ومسوّغات تقدمها الولايات المتحدة على طبق من ذهب للمجموعات الإرهابية التكفيرية.
إن صوت التشدد في تصاعد، مما ينبئ بمستقبل قريب لن يكون مريحًا بالنسبة إلى الجميع.