حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

«من نحن؟»

في خطبته الأخيرة، أطلق الزعيم الليبي غريب الأطوار معمر القذافي سؤالاً في الهواء مليئًا بالاستغراب والتعجب بقي معنا إلى يومنا هذا، وهو: «من أنتم؟»، في إشارة إلى «الدخلاء» على أحداث المنطقة، الذين يدعون الحديث باسمها وباسم شعبها وباسم ماضيها وحاضرها ومستقبلها. ولكن إذا كان هذا السؤال مهمًا، فالسؤال الأهم والأخطر هو «من نحن؟»، لأن هذا السؤال، من خلال الإجابة الصادقة والسوية عنه، سيكون مفتاحًا لكثير من الإجابات لنا. هناك خلل واضح في الهوية بشكل عام في العالم العربي.. فشلت المجتمعات بشكل واضح في تكوين حاضنة مدنية تضمن الحقوق وتكرس فكرة «المواطنة الحقة» للجميع من دون تمييز واضح وغير خفي.
وفي المجتمعات الغربية طرح المؤرخ الأميركي السؤال نفسه في كتابه المهم المعنون بـ«من نحن؟»، يدفع فيه المجتمعات الغربية إلى أن تطرح السؤال على نفسها، واليوم نرى «اختيارات» بعض المجتمعات؛ فمنهم من راح باتجاه اليمين، مثل أميركا والمملكة المتحدة وإيطاليا، ومنهم من قرر البقاء في الوسط، مثل ألمانيا وكندا والسويد والنمسا.
العالم العربي في مجمله لا يزال يتشكل من قوتين أساسيتين؛ هما الطوائف والقبائل، وهاتان القوتان في بعض الأحيان تكونان أقوى من الانتماء «الوطني» الجامع نفسه، مما يشكل بالتالي عائقًا للاندماج والانصهار المجتمعي المطلوب الذي يؤّمن السلام الاجتماعي المطلوب وبشدة. لعل أهم من كتب بإسهاب في هذه المسألة هو الكاتب الفرنسي اللبناني الأصل أمين معلوف. فهو نفسه رجل «خليط» من الهويات والشخصيات المعقدة، عَكَس كل ذلك في كتابه بالغ الأهمية «الهويات القاتلة»، وتطرق فيه إلى نقاط مهمة تتشكل من خلالها هوية المجتمعات الحرة والواثقة التي لا تخشى التصاهر بدلاً من المجتمعات المغلقة التي تشك في كل ما لا يشبهها وتحاربه.
رقصة تراثية أصيلة تم ضمها للتراث العالمي في إحدى الدول العربية، فقامت بعض الأصوات النشاز تشكك في «كل» هذا التراث، وتحارب هذا الاختيار. دولة أخرى تبحث في هوية السكان فيها من غير العرب، فتُصاب بالحيرة: هل تعتبرهم منها أم لا؟! وغير ذلك من الأمثلة المؤثرة والمؤدية للاشمئزاز.
هي كلها علامات خلل واضح في الهوية وعجز وفشل كبير في اختيار الجواب المريح.. هل تكون الهوية «ضيقة» على ما اعتاد عليه المجتمع، وذلك من باب الخوف والخشية من كل ما هو مجهول؟ أم تكون الهوية «واسعة» وشاملة تتسع للكل فتصبح أكثر ثراءً وأعمق وأغزر؟! عندما يُفتح باب الإجابة عن هذا السؤال المهم و«المحرج» سيكون من الممكن مناقشة حلول حقيقية لمشكلة عميقة. دولة المواطنة الحقة لا تزال بعيدة المنال، فكل ما نراه هو مجرد «بلدان»، وليس «أوطانًا»، وشتان الفرق ما بين الاثنين.