مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الكذب ملح الرجال

ظاهرة منتشرة في كل البلاد العربيه تقريباً، وهي ظاهرة (ابو العريّف) – وهي كناية عن الشخص سواء كان ذكراً أو أنثى الذي يدعي أنه يعرف كل شيء، ونادراً ما تأتيه الشجاعة ويعترف بجهله قائلاً: آسف.. إنني لا أعرف.
وهذه الظاهرة من وجهة نظري (طامة منيّلة)، لأنها هي العائق الرهيب (لتربّسة) الأمخاخ – إن جاز التعبير.
وإليكم نموذج واحد مصغر من هذه الظاهره التي لا تسر الصديق، وتسعد العدو جداً جداً. ففي أحد شوارع القاهرة، وقفت المذيعة وبيدها (الميكرفون) تتعرض للمارة بدون أي اختيارات مسبقة، وكان من هؤلاء الفلاح والعامل والموظف وطالبة الجامعة وربة المنزل والعجوز والشاب – يعني خليط عشوائي - وسؤال المذيعة هو كالتالي:
طبعاً حضرتك عرفت عن الزلزال الذي حصل في اليابان فحركها مليار كيلومتر لحد ما أصبحت مستقرة عندنا في بحيرة ناصر؟
وقبل أن أستعرض لكم الإجابات، لا بد من الإشارة إلى أن زلزالاً مريعاً قد وقع في اليابان فعلاً في ذلك الوقت، وخلف ضحايا وخسائر كبيرة، وتناقلته جميع وسائل الإعلام العالمية، ويبدو أن كل من سئل قد سمع بالزلزال، غير أن المصيبة هي في التسرع وعدم التأني لفهم السؤال كاملاً حتى النهاية، وانطبق على الجميع المثل الشعبي القائل: (يخطف الكبيبة من فم القدر).
وإليكم الإجابات التي توالت على الأول: آه طبعاً عرفت من التلفزيون والنت. وقال آخر: أكيد عرفناه من كل القنوات التي كانت تتكلم عنه. وآخر قال: عرفته من النت والجرائد. واستمرت الإجابات العجيبة على هذا المنوال، وبعد أن تعبت المذيعة من الاستماع غيرت سؤالها بالتالي:
تفتكر ممكن نرجع لهم اليابان تاني زي ما كانت ولاّ نخليها عندنا أحسن في مصر في بحيرة ناصر الحلوة الجميلة؟
وتوالت بعد ذلك الإجابات العبقرية؛ اختار لكم منها اثنتين فقط، تجنباً لعدم تصديع رؤوسكم أكثر، الأول قال: لا نخليها عندنا علشان ننفتح على حضارات أخرى ونتغير للأحسن. وعكسه قال الثاني: لا.. أكيد نرجعها مكانها علشان إحنا المصريين ما نقبلش حاجة مش بتاعتنا – انتهت المقابلة. وعلى فكرة طرحت مثل هذه المقابلة على الهواء في دول عربية أخرى، وفي عدة مسائل مختلفة، وكانت الإجابات (العبقرية) هي نفسها – أي أن الكل يعرف ويهرف (ومافيش حد أحسن من حد).
هناك مثل ياباني يقول: من يعترف بجهله يعلنه مره واحدة، ومن يخفيه يعلنه مرات ومرات.
كما أن هناك مثلاً برازيلياً يقول: الفم المطبق، لا يدخله بعوض.
إن حال قطاع كبير من الجماهير العربية، حالهم كحال (غولد سميث) عندما قال: لا تطرح عليّ أسئلة، عندئذ لن أتلفظ بأي كذبة.