زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

روائع الفنان الفرعوني

ترك لنا الفنان الفرعوني روائع فنية لا حصر لها؛ وقد اخترت اليوم بعض الأعمال الفنية للحديث عنها لكي نعرف من خلالها المزيد عن أسرار الفن المصري القديم. أول هذه الأعمال لوحة من الحجر الجيري صور عليها اسكتش مبدئي لرأس أحد الفراعنة من عصر الرعامسة - الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين - واللوحة موجودة بمتحف اللوفر بفرنسا. ومن النظرة الأولى للرأس يظهر شكل الاسكتش والتجريب؛ وبعد ذلك ومن خلال البورتريه الخاص بالمهندس سنموت العبقري الذي بنى معبد الدير البحري للملكة حتشبسوت وكان من المفضلين إلى قلبها؛ ويوجد بمتحف المتروبوليتان.
نعرف نظام الشبكة المكونة من 16 مربعًا وكان الفنان المصري القديم يستخدمها لضبط كل جزء من أعضاء الجسم البشري وعند الانتهاء يقوم بإزالتها.. وهناك أيضًا اسكتش لراقصة أكروباتية وهو من أهم القطع الموجودة بمتحف تورين بإيطاليا، وهناك رسومات ساخرة تؤكد أن الفنان المصري القديم استطاع أن يرسم مناظر يعبر من خلالها عن رأي الشعب في السياسة والاقتصاد بل والأوضاع الاجتماعية؛ فمثلاً نجد رسمًا كاريكاتيريًا يصور حارسًا هزيلاً نائمًا يحرس مخزن غلال؛ وثعلبًا يرعى قطيعًا من الإوز؛ وقطًا هزيلاً يخدم فأرًا مترفًا.
عندما نفذ الفنان المصري القديم المناظر على جدران المقابر نفذها من الجانب (بروفايل) ونادرًا ما يوجد شخص صور من المواجهة؛ وقد يرجع السبب في ذلك إلى أن الفنان كان يريد أن يؤكد في المناظر المصورة والمنحوتة نوعية الحركة التي لن تأتي إلا ونحن نرى المناظر من البروفايل؛ بالإضافة إلى أن الفنان كان يقوم بعمل قصة للحياة اليومية داخل المقبرة، ولذلك إذا رسم الوجوه أمامية فسوف تأخذ حيزًا كبيرًا داخل المقبرة. وسبق أن قلنا إن الفنان لم يوقع باسمه على المناظر التي نفذها إلا في حالات نادرة جدًا؛ مثل الفنان الذي ترك توقيعه داخل مقبرة قار بالهرم وكذلك مقبرة مري روكا وخنتي، وقد صوروا أنفسهم إما داخل مركب أو جالسين وأمامهم لوح الرسم. وقد يعود السبب في عدم ترك الفنانين لأسمائهم إلى أسباب دينية وليس لانحطاط مكانة الفنان، بل على العكس تمتعت هذه الطبقة بمكانة رفيعة في المجتمع الذي نظر إليهم على أنهم أصحاب مهارات خاصة وهبهم إياها الإله دون غيرهم من البشر. وعلى الرغم من ذلك فلقد وجدنا العكس في المقابر الموجودة بعيدة عن العاصمة وقد يكون السبب في أن الفنان في هذه القرى قد يكون على صلة شخصية بالمتوفى، ولذلك لم يجد حرجًا في أن يكتب اسمه داخل المقبرة؛ ولذلك نجد الاسم موقعًا في الركن الأيسر أسفل جدران المقبرة. لقد وجدنا في مقابر دير الجبراوي بصعيد مصر ومن عصر الملك بيبي الثاني - آخر ملوك الأسرة السادسة - وفى مقابر الحواويش توقيعات الفنانين بل وصورهم وهم يقومون بزخرفة ورسم المقابر. وقد ظهر أيضًا الفنان «كا إم ثنت» عدة مرات في مقبرة بمنطقة مير بأسيوط وقد صور في أوضاع كثيرة وحمل لقب رسام. وظهر أيضًا فنان من مير يدعى «إيمي إم سابني» صور وهو عاكف على تلوين تمثال؛ والملاحظ هنا أن الفنان صور نفسه بحجم كبير بل يتعدى حجم أي موظف آخر بالمقبرة.. الأمر الذي قد يشير إلى أحد شيئين؛ الأول مكانة الفنان في المجتمع، أو أنه كانت له حرية فعل هذا وبموافقة صاحب المقبرة.