إميل أمين
كاتب مصري
TT

أوباما.. حرب سيبرانية لا نووية

هل العالم مقبل على حرب نووية تقليدية؟ الشاهد أن المتابع الأسابيع القليلة الماضية للمواجهات ما بين موسكو وواشنطن يكاد يصيبه الهلع من تصاعد الأحداث وسخونتها، لا سيما على صعيد التحركات العسكرية في منطقة البحر المتوسط، التي باتت تشبه تظاهرات عسكرية، استوحت «روح كوبا» في ستينات القرن الماضي.
الطبول وقرعها تكاد تصم الآذان، والبعض يتحدث عن حتمية معرفة أقرب ملجأ ضد القنابل النووية، كما فعل مقدم البرامج التلفزيونية الروسي الشهير، يفغينى كيسيلوف، عبر برنامجه الشهير الذي ينتقد فيه السلوكيات الأميركية.
وعلى الجانب الأميركي، فإن هناك، والحديث لصحيفة «إكسبرس» من يزعم أن واشنطن دخلت فيما يسمى مرحلة «ديفكون»، وهي الخطوة التي تلازم الاستعداد للحروب النووية، وأن الأميركيين رفعوا درجة استعداداتهم بشكل سري حتى لا يصاب المواطنون بالذعر، لا سيما أن الحالة وصلت إلى المستوى الثالث، الأمر الذي لم تعرفه البلاد منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول).
هل الحرب النووية على الأبواب بالفعل؟
قبل نحو فترة قريبة وضع الجميع أياديهم على قلوبهم خوفًا وهلعًا من قرار أميركي يمكن أن يعجل بتلك المواجهة، وذلك عندما تردد أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يبحث مع قادته للأمن القومي ورجالات وزارة الدفاع (البنتاغون) البدائل المتاحة للدخول إلى سوريا وإنهاء الأزمة هناك، بما فيها البديل العسكري.
الردود الروسية على هذه التصريحات أكدت في المقابل جهوزية الرد، وبين الفعل ورد الفعل باتت عقارب الساعة النووية العالمية أقرب ما تكون من حدود القارعة.
لكن ما صدر لاحقًا عن البيت الأبيض جعل الخطر الأعظم يتلاشى، إذ استقر الجميع هناك على حتمية السعي وراء البدائل الدبلوماسية لا العسكرية، وبان أن الطرفين لا يملكان رفاهية الصدام النووي، حيث كانت التكلفة الأولية واضحة.. إذا وجهت روسيا ضربة نووية للولايات المتحدة فإنها ستوقع في الموجة الأولى ما نحوه 110 ملايين قتيل أميركي، فيما الرد الأميركي سيصيب في مقتل أكثر من 95 مليون روسي، هذا ناهيك بالتبعات والتداعيات..
الخسائر التي تشبه الإبادة غير المسبوقة في تاريخ البشرية حتمًا كان لها أن ترعب القائمين على الترسانات النووية، وأن تعيدهما إلى رشدهما، لكن في الخلفية، هناك صراع عالمي آخر، وحرب عالمية أخرى، صراع سيبراني فضائي كفيل بإحداث خراب ودمار من نوع مغاير.
القصة ليست حديثة، فهناك من يؤكد أن هناك عملية قرصنة سيبرانية روسية جرت لاختراق النظام السياسي الأميركي، لا سيما في زمن الانتخابات الرئاسية.
الأميركيون يوجهون الاتهامات لإدارة الرئيس بوتين بأنها الفاعل الحقيقي وراء اختراق قاعدة بيانات الحزب الديمقراطي، وكذا نظام «إدارة ومكافحة المنشطات العالمية»، عطفًا على البريد الإلكتروني الخاص بوزير الخارجية الأميركي السابق، كولن باول.
الروس من جهتهم أنكروا هذه الاتهامات، واعتبروها غير صحيحة جملة وتفصيلاً، ومردها هو إخفاقات أميركية داخلية.
الحجة الروسية في دفع اتهامات واشنطن تؤكد أن هناك من يتلاعب بالقضايا السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، ليغطي على فشل السياسات الخارجية للبلاد، إلى الدرجة التي يحاول معها الأميركيون خلق معارضة اصطناعية تتشاجر مع نفسها وتخصص لها الأموال، وتقام لها مشروعات سياسية.
هي الحرب السيبرانية إذن، لا سيما بعد أن أعطى الرئيس أوباما توجيهات لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، كما يشاع، بالرد على هجمات روسيا الإلكترونية، وها هي الوكالة العميقة الشهيرة تقدم للبيت الأبيض خيارات هجوم إلكتروني مضاد من شأنه أن «يحرج» الكرملين.
الضربة الأميركية السيبرانية المتوقعة أكدها جوزيف بايدن نائب أوباما في حديثه مع شبكة «إن بي سي» مساء الجمعة 14 أكتوبر (تشرين الأول)، عندما قال: «سنبعث برسالة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين»، مضيفًا: «لدينا القدرة على القيام بذلك، وسيتم إرسال الرسالة وسيعرف (بوتين) بذلك، وسيكون هذا وفقًا لجدولنا الزمني وفي الظروف التي سيكون لها أكبر تأثير ممكن».
في حديثه منذ بضعة أيام إلى مجلة «وايرد» الأميركية، تحدث وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالقول إن الرئيس أوباما كان قد أصدر في وقت سابق أمرًا بالرد على القرصنة السيبرانية الروسية، أما متى، فالموعد يختاره الرئيس بنفسه، وقد يكون غير مرئي للعامة.. هل يعني ما تقدم أن علامة الاستفهام لم تعد هل يفعلها أوباما بل باتت متى يفعلها أوباما؟
خطورة الحرب السيبرانية أنها قادرة على إصابة الآخر، لا في معلوماته وبنيته المعلوماتية فقط، بل تمتد إلى التحكم في كل المناحي الاستراتيجية في البلاد الأخرى، من بنية تحتية مدنية وربما عسكرية، ومحطات نووية، ومحطات كهرباء، ووسائل نقل وسفر جوي وبري وبحري، وبنوك وحسابات أفراد، وجسور وطرق، إنها حرب عالمية متدرجة، ويمكن القول إنها «ديفكون» من نوع مغاير.
السؤال الحائر: «هل الحرب السيبرانية الآتية لا محالة بحسب التوعدات والتهديدات الأميركية هي المقدمة الطبيعية للحرب النووية في لحظة من انفلات العقول البشرية، أو بسبب أخطاء تكنولوجية تحدث عرضًا عبر الهجمات السيبرانية؟».
كل الطرق تؤدي إلى هلاك الزرع والضرع، إن لم تستفق البشرية، فالمعادلة المؤكدة لا فائز ولا مهزوم، فإما حياة مشتركة، وإما موت زؤام، ولله الأمر من قبل ومن بعد.