محمد العريان
أقتصادي مصري- أمريكي
TT

لماذا تعد طفرة الدولار مختلفة بالنسبة لـ«الفيدرالي» الأميركي؟

رجع الدولار إلى أعلى مستوياته التي بلغها قبل تسعة أشهر. وتتشابه محركات هذه الزيادة مع تلك التي سببت ارتفاع العملة الأميركية في وقت مبكر من هذا العام. ومع ذلك، في هذه المرة، فإن التأثير الواقع على الأسواق المالية كان مختلفًا تمامًا. وإذا ما استمر هذا الأمر، فإن تأثيراته على سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سوف تكون أيضًا مختلفة.
دفع المتداولون الدولار لأعلى إثر ثقتهم في التفاوت القريب في سياسات البنوك المركزية؛ التي هي سياسة التضييق من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، حيث إن عددًا من المؤسسات النظامية الأخرى ذات الأهمية، مثل البنك المركزي الأوروبي، وبنك اليابان، وبنك إنجلترا، وبنك الشعب الصيني، تحافظ على أو تشدد من مواقفها الفضفاضة. ولكن على النقيض من الفترة السابقة، فإن التأثير الواقع على الأسهم الأميركية كان صامتًا للغاية.
بدلاً من تحمل عمليات البيع الواسعة في استجابة للضغوط التنافسية الناجمة عن العملة - وهو ما حدث في الربع الأول من العام الحالي - كانت الأسهم الأميركية تتصرف بشكل جيد. وقد ساعد تقويم الصفقات الكبيرة أثناء ترحيب المستثمرين بتدفق تمويل الدمج والاستحواذ إلى السوق، سواء من أموال الشركات المدرجة على الميزانيات، أو من تمويل الديون الجديدة. ونتيجة لذلك، ظلت الأوضاع المالية متكيفة للغاية، على الرغم من ارتفاع سعر الدولار.
كما شعر المستثمرون في الأسهم بالاطمئنان بسبب الاعتراف المتنامي والسليم بأن الدورة المتصاعدة لبنك الاحتياطي الفيدرالي سوف تبتعد جذريًا عن المعايير التاريخية. وبدلاً من اتباع المسار الخطي نسبيًا للزيادات على فترات منتظمة، من التي يُطلق عليها خصائص «التوقف - الاستمرار»، كذلك، وربما بمزيد من الأهمية، فإن النقطة النهائية – أو ما يطلق عليه خبراء الاقتصاد «المعدل المحايد» – سوف تكون أقل بكثير من المعدلات التاريخية المسجلة أخيرًا.
والسؤال المفتوح هنا هو ما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يكون قادرًا على سحب ذلك التشديد التدريجي والمدروس على الظروف المالية من دون الإخلال بالأسواق المالية التي اعتادت على تلقي الدعم الاستثنائي من البنوك المركزية. والواضح هنا، رغم ذلك، أن الارتفاع الأخير الذي شهده الدولار، في حد ذاته، من غير المرجح له أن يكون ذا طبيعة رادعة لرفع سعر الفائدة خلال بقية العام الحالي. ومن الأرجح لذلك أن يحدث في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وليس خلال اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي مع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوح في الأسبوع المقبل.
واستشعارًا لذلك، أثارت الأسواق الاحتمالات الضمنية بأن يتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي القرار في ديسمبر المقبل بنسبة تقترب من 75 في المائة. وجنبًا إلى جنب مع الهدوء الاقتصادي والمالي النسبي على المدى القصير في الخارج، بما في ذلك تدني الإحساس بالقلق حول الهبوط الحاد في الصين، فإن هذا يسبب ارتياحًا لبنك الاحتياطي الفيدرالي الذي يميل فعليًا لاتخاذ خطوة أخرى، وإن كانت خطوة صغيرة، نحو تطبيع السياسة النقدية. علاوة على ذلك، وعند النظر إليه من الناحية النسبية، فإن تطبيع السياسة النقدية في سياق الدولار القوي يساهم في إعادة التوازن العالمي المطلوب لوضع الاقتصاد العالمي على أسس أكثر رسوخًا.
ولكنها في نهاية المطاف سوق تكون من الأساسيات المطلقة، بدلاً من أن تكون مجرد اتجاهات نسبية، تلك التي تؤمن الاقتصاد العالمي المزدهر والاستقرار المالي الحقيقي والأساس القوي بدرجة كافية الذي لا يزال بعيد المنال.
وسوف تجري محاولة إعادة التوازن المقبلة في سياق معدلات النمو التي لا تزال منخفضة وحصرية بشكل كبير، مما يزيد من خطر حدوث مزيد من الاستقطاب السياسي في المستقبل، والعجز، والانحراف الاقتصادي. وحتى يتم التغلب على التحديات الأساسية لتوليد النمو المرتفع والشامل، فإن عملية تطبيع السياسة النقدية لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف تكون أبعد من مجرد التنفيذ، وسوف تظل مخاطر عدم استقرار الأسواق قائمة وماثلة بدرجة يصعب تجاهلها.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»