سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

إن لم تكن تلك إصلاحات حقيقية.. فما هي إذن؟

من المؤسف ألا يكون هناك تعاون حقيقي وجدي واحترافي مهني بين دولنا النامية سياسيًا وديمقراطيًا ودول سبقتنا واكتسبت الخبرات المتراكمة، مثل أميركا أو دول أوروبا الغربية.
من المحزن أن نتوقف عن التعاون وندعو إلى إغلاق باب التعاون، لأنه أصبح غير ذي جدوى بعدما أصبح مسيسًا وتحول إلى عنصر ابتزاز غير منصف وغير حيادي، ولا يساعدنا أبدًا على تحقيق الأهداف المعلنة، وهي إصلاحات سياسية وتطوير حقيقي للمنظومة التشريعية والتدابير الجادة في ملف حقوق الإنسان والسلطة القضائية وتعزيز استقلالها.
إذ لا يمكن ألا أقف عند تقارير تلك الدول التي تصد وتتغافل بتعمد ومع سبق الإصرار والترصد شهادات ومؤشرات أغلبها من مصادر دولية محايدة، وبعض تلك المؤشرات ترصد وتقيس درجة التطور الحقيقي والجاد في منظومة حقوق الإنسان في مملكة البحرين، وترصد مؤشرات التطور السياسي في البحرين، وترصد كذلك التطور في المنظومة العدلية والقانونية فيها، كما ترصد وضعًا متميزًا للمرأة تحديدًا في المجال العدلي والقانوني والتشريعي، فلا تجد لها صدى في تقارير وزارة الخارجية الأميركية أو في بيانات الاتحاد الأوروبي أو في تقارير كثير من المنظمات الدولية التي تدعي الحيادية، مما يدعونا إلى التفكير جديًا في الاستغناء تمامًا عن تلك التقارير المسيسة والمضي قدمًا دون انتظار الإنصاف منها، أما المؤسف فإنه سيحرمنا من التعاون المثمر للاستفادة من تلك الخبرات ذات الأقدمية في تلك المجالات العدلية والسياسية. في تقرير سنوي يصدر عن منتدى دافوس الاقتصادي يقيس درجات التنافسية بين الدول، رُصد تقدم لمملكة البحرين تسع درجات خلال سنة واحدة في مجال استقلالية القضاء وتطور النظام الإداري في الإجراءات القضائية وفي فاعلية الإجراءات القضائية في الفصل في المنازعات، وذلك يعد تقدمًا قياسيًا في فترة زمنية قصيرة جدًا، وتعجب حين لا ترى صدى لهذا الدليل المادي من جهة محايدة في أي من التقارير التي تطالبنا بإصلاحات جدية! فإن لم يكن التقدم في استقلالية القضاء واحتلال البحرين المرتبة 32 من أصل 138 تقدمًا، فماذا نسميه إذن؟
وما دمنا نتحدث عن المجال العدلي والقانوني، فالتقدم الذي أحرزه تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في هذا المجال مؤشر حقوقي لا يمكن إغفاله، إذ لدى مملكة البحرين الآن 13 قاضية ولدينا سيدتان كل منهما رئيس محكمة، وسيدة وكيل محكمة، ولدينا أربع نساء في مناصب إدارية في المحكمة الدستورية وأمين عام مساعد فيها، ولدينا 4 وكيلات نيابة وسيدة رئيس نيابة بدرجة رئيس محكمة، ومحامٍ عام سيدة. وفي هيئة الإفتاء والتشريع فبلغت نسبة النساء اللاتي برتبة مستشار 46 في المائة، أما بالنسبة للقضاء الواقف فقد بلغت نسبة النساء من محامي محكمة التمييز 26.2 في المائة، أما نسبة المحاميات المشتغلات في البحرين فقد بلغت 59.4 في المائة، أي تغلبن على الرجل.
هناك خطأ ما، في مكان ما، في رصد التطور وجدية الإصلاح إذا أغفل هذه الحقائق؟ هذه الأخطاء لا تغفلها العين المجردة وهذا التعمد لا يمكن تجاهله.
لذلك فاض الكيل بالبروفسور باولين ماك كاب، وهي سيدة انتدبتها الخارجية البريطانية لتعمل في البحرين مستشارة لتطوير منظومة حقوق الإنسان بطلب من حكومة البحرين، فأصدرت بيانًا انتقدت فيه تقريرًا أصدرته أخيرًا منظمة «ريبريف» لحقوق الإنسان، دعت فيه المنظمة شركة آيرلندية إلى التوقف عن تدريب قوات الأمن وموظفي وزارة الداخلية البحرينية!!
وكتبت البروفسور باولين في مقالة رأي بصحيفة «آيرش تايمز» الآيرلندية: «في حين أنني أحترم العمل المهم الذي تقوم به (ريبريف)، فإنني أود أن أوضح السبب الذي يدعوني إلى الاعتقاد في هذه الحالة بأن هذه المنظمة الحقوقية مخطئة».
وعدَّدت البروفسور باولين، التي سبق أن عملت في مجلس الشرطة وأمانة تظلمات المساجين في آيرلندا الشمالية، الإجراءات الإيجابية التي اتخذتها البحرين، من بينها إنشاء الأمانة العامة للتظلمات في وزارة الداخلية، في استجابة لتوصيات لجنة تقصي الحقائق، إضافة إلى زيادة استخدام الدوائر التلفزيونية المغلقة في الأعمال الشرطية وأماكن الاحتجاز، كما أصبحت الأمانة العامة للتظلمات تفحص بيانات الدوائر التلفزيونية المغلقة خلال ساعات من صدور أي مزاعم بالتعرض لسوء المعاملة. كيف لأي راصد أو مراقب أن يغفل عن تلك المؤشرات الإيجابية؟ ما الإصلاحات ذات «الجدوى» التي صدعوا رؤوسنا بها إن لم تكن تلك المؤشرات في صميم معايير ومقاييس أي تطور سياسي وعدلي وحقوقي؟
لمملكة البحرين قصص نجاح جميلة يحق أن تفاخر بها، تتجاهلها بعض تلك التقارير، ومثلما أجزم بأن ما جعل البحرين تجتاز عاصفة ما سمي بالربيع العربي هو حقيقة إصلاحاتها السياسية العدلية، لأنها نبعت من ذاتنا، ولأنها بدأت عام 2000، أجزم كذلك بأن تلك الإصلاحات لم ولن تراها العيون الأميركية، حتى ولو وضعنا على تلك العيون مجاهر، فهل ممكن لتلك العيون أن ترى؟ الحقيقة من الأشياء التي لا تشترى!!
تحية لشاعرنا الكبير أمل دنقل.