خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

الوزير الضحّاك!

ربما لاحظ القراء الكرام أنني كرست هذا العمود في الأيام الأخيرة للظرفاء من ساستنا. ولعل بعضهم يتصور أنني لجأت إلى قفشاتهم وفكاهاتهم هروبًا من أتعاب مناقشة سياستهم ووطنيتهم. كلا يا سادة. العثور على سياسي عربي ظريف ومنكت أصعب بكثير من العثور على واحد منهم لا يدجل بالوطنية. وهذا على خلاف ما نلاحظ في الغرب، حيث تعتبر الظرافة من مستلزمات السياسي الناجح. بعضهم يكسبون رزقًا أكثر من الفكاهة على المسرح مما يقبضون من راتب في مكاتبهم. من هؤلاء السياسي العمالي توني بن الذي استمتعت بطرائفه في أمسية على مسرحنا المحلي في ويمبلدون، حيث بيعت كل تذاكر الحفلة. وكانت دردشاته على المسرح من الأحداث المسرحية الشائعة في بريطانيا وأميركا عمومًا.
استغل الناشرون موته مؤخرًا لنشر كثير من الأدبيات عنه. وكان آخر ما وقع بيدي مختارات من طرائفه جاءت بعنوان «أحسن ما عند بن» (The Best of Ben). تناولت الفقرة الأولى منها قفشة من قفشات عمله مديرا عاما للبريد. وصلته رسالة من أحد المواطنين يقول إنه لم يجد لديه طابعا بفئة ثلاثة بنسات ليلصقه على المظروف. ولكن كان عنده طابع بستة بنسات، فقطعه إلى نصفين، ولصق كل نصف على رسائله. يسأل المدير العام ما إذا كان ذلك مشروعًا. ويظهر أنه من باب الملاطفة قال له إنه تسلم الرسالة ولم يعترض عليها. يقول له: «الصحيح هو أن تلصق طابع الستة بنسات ثم تطلب مني أن أعيد لك ثلاثة بنسات. اكتشفت فيما بعد أن المرسل تاجر بالطوابع النادرة المستعملة.. وقد أرسل ستمائة طابع على هذا الأساس، وهو الآن يبيع هذه الطوابع بخمسة عشر باوندًا لكل طابع. أعتقد ينبغي مقاضاته في المحاكم»!
وفي مناسبة أخرى، يروي توني بن أنه في عام 1974 كلمه الزعيم العمالي فرنك مكلهون، ليعير عن استيائه من خطاب ألقاه الوزير كيث جوزيف، وقال إن هذا الخطاب سيثير الكنيسة الكاثوليكية. وكان خطاب كيث جوزيف يتعلق بدعم الأخلاق في بريطانيا، ووضع حد لهذا التسيب الأخلاقي بتبني السيطرة على النسل في العوائل الفقيرة، بتقليل عدد الأطفال الذين يولدون لها، حيث سيصعب على الأمهات ضمان حسن سلوكهم. وقال فرنك مكلهوهن إن ذلك الخطاب قطعة كاملة من الفلسفة العنصرية التي تنسب إلى العوائل الفقيرة؛ التحلل الأخلاقي بدلاً من الدعوة إلى القضاء على الفقر. وهذا يكاد يكون فكرة أقرب ما تكون للفاشية.
وبعدها ببضعة أشهر، جاءه مراسل صحيفة «البرافدا» ليسجل معه مقابلة. قال إنه يود أن يرى كيف استعمل الكومبيوتر. حررت قبل وصوله رسالة من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي لمراسل «البرافدا» في لندن. تقول الرسالة إنهم يستغربون كيف أنه ما زال يستعمل الآلة الطابعة التي اخترعها الروس في زمن القياصرة، وأن من المحتمل أنه ما زال يستخدم آلة قديمة من مخلفات القرون الوسطى، وهي قلم الحبر. والمقتضى من كل الكتّاب السوفيات أن يتعلموا استعمال الكومبيوتر ليظهروا تقدم السوفيات. يرجى من المراسل إرسال الجواب لنا فورًا على أجنحة الحمام الزاجل. وقد استغرق المراسل بالضحك. ثم طبعت له أربع نسخ بحروف مختلفة أخذها ممتنًا مني.