ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

كوريا الشمالية تثير الرعب أكثر من أي وقت مضى

عندما يتحدث المسؤولون في كوريا الجنوبية حول التحدي النووي المتزايد من كوريا الشمالية، فإنهم يستخدمون عبارات مفزعة مثل «التهديد الوجودي»، و«الخطر الداهم»، و«خنجر الحلق». وهم يريدون من الولايات المتحدة أن تدرك أن تلك القصة الطويلة من عقيدة حافة الهاوية النووية قد دخلت مرحلة جديدة.
ولقد أخبرني أحد كبار المسؤولين في كوريا الجنوبية وبصورة صارخة: «يمكن لصاروخ نووي من الشمال أن يهبط على مكتبي هذا خلال أربع إلى خمس دقائق. وبالتالي ليست لدينا رفاهية التفكير مرتين. لم يعد الأمر كمثل السحابة القاتمة في الأفق البعيد. إنه الخطر الداهم على أعتاب أبوابنا».
وعرض ضابط أميركي كبير تحذيرًا مماثلاً، على بعد بضعة كيلومترات في حامية الجيش الأميركي في يونغ سان، حيث أشار إلى أن القاعدة العسكرية الأميركية، على غرار أغلب مناطق العاصمة سيول، قد عاشت لعقود طويلة تحت التهديد المباشر من قبل مدفعية كوريا الشمالية عبر المنطقة متنوعة السلاح، ولكنه أضاف أن التهديد النووي مختلف: «ليست هذه مجرد عودة إلى الحرب الكورية القديمة، بل إنه تهديد متصاعد أصبح يشكل خطرًا حقيقيًا خارج شبه الجزيرة الكورية».
توضح هذه الأحاديث السبب وراء تصدر قضية كوريا الشمالية النووية أغلب المخاوف الأمنية لدى الرئيس الأميركي المقبل. ويوجد شعور شائع هنا، بين مواطني كوريا الجنوبية والمسؤولين الأميركيين على حد سواء، أن كيم جونغ أون، الزعيم الزئبقي لكوريا الشمالية، يسعى بكل جدية واجتهاد للحصول على الأسلحة النووية والقدرات الصاروخية للهجوم على جيرانه، وكذلك على الولايات المتحدة الأميركية. ويتعين على الرئيس الأميركي القادم أن يقرر ما الذي سوف يفعله في هذا الشأن.
يقول كريستوفر هيل، السفير الأميركي الأسبق في مؤتمر منتدى المعرفة العالمي، وكان قد ترأس المحادثات السداسية الفاشلة مع كوريا الشمالية في الفترة بين عامي 2005 و2007: «ما تريده كوريا الشمالية هو ما لا يمكنها الحصول عليه، وهو قبولها في المجتمع الدولي كدولة تمتلك الأسلحة النووية».
وحالة الإحباط التي عبر عنها المسؤولون الأميركيون والكوريون الجنوبيون تدور حول فشل المساعي الرامية إلى إيقاف تقدم كوريا الشمالية الذي لا هوادة فيه نحو امتلاك الأسلحة النووية. والمحادثات الدبلوماسية، والعقوبات الاقتصادية المفروضة من جانب الأمم المتحدة، والتهديدات باستخدام القوة العسكرية قد فشلت كلها. وكوريا الشمالية هي دولة متخلفة وتدعو إلى الرثاء، باستثناء وحيد وهو البرامج النووية والصاروخية.
حتى الصين نفسها يبدو نفوذها في مثل هذه المسألة محدودًا. ويعتقد كثير من المحللين أن بكين يمكنها ممارسة الضغوط الناجعة على بيونغ يانغ. وعلى الرغم من إرسال الصين مبعوثًا خاصًا في العام الماضي للتحذير من الاختبار النووي الرابع لدى كوريا الشمالية، فإن النظام الكوري مضى قدمًا في سبيله وأجرى الاختبار النووي في يناير (كانون الثاني) من العام الحالي. ومن ثم ساندت بكين القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي في مارس (آذار) بإدانة كوريا الشمالية وفرض المزيد من العقوبات، فما كان من الزعيم كيم إلا الرد على ذلك بإجراء الاختبار النووي الخامس خلال الشهر الماضي.
كيف يمكن للولايات المتحدة العمل مع كوريا الجنوبية لمكافحة هذه المشكلة المستعصية؟ قدم بعض من كبار المسؤولين في كوريا الجنوبية بضعة مقترحات مفيدة.
جاء تشديد العقوبات المفروضة كخطوة أولى. وكانت السيدة سامانثا باور، سفيرة الولايات المتحدة إلى منظمة الأمم المتحدة، هنا في سيول لمناقشة القرار الأممي الجديد بشأن ذلك المقترح. وتأمل كوريا الجنوبية بأن تغلق الأمم المتحدة استثناء «أسباب الرزق» الذي تستغله كوريا الشمالية في تصدير الفحم إلى الصين. حيث بلغ إجمالي صادرات الفحم نحو مليار دولار العام الماضي، وهي من المصادر الرئيسية للنقد الأجنبي من أجل تمويل البرنامج النووي. ولقد اعترضت الصين حتى الآن ضد فرض المزيد من الضغوط على كوريا الشمالية.
ومن المقترحات الكورية الجنوبية أيضًا كان زرع إسفين بين الرئيس كيم وأعضاء من النخبة الحاكمة في بلاده، حيث قالت رئيسة كوريا الجنوبية بارك غوين هاي لمجلس وزرائها خلال الأسبوع الماضي إن الزيادة الأخيرة في عدد الانشقاقات رفيعة المستوى في كوريا الشمالية تعكس مدى هشاشة نظام حكم الزعيم كيم، وإنه حري بكوريا الجنوبية تشجيع المزيد من تلك الانشقاقات. ورسالة سيول تدور حول أنه إذا استمر كيم في إخضاع كافة المسؤوليات الوطنية صوب تحقيق حلمه النووي، فسوف ينفجر نظامه الحاكم في نهاية المطاف.
إن ردع كوريا الشمالية بالأسلوب العسكري هو ما تريده كوريا الجنوبية من الولايات المتحدة الأميركية. ولقد وافقت الرئيسة بارك على نشر نظام الدفاع الصاروخي الأميركي (ثاد)، ولكن ذلك النظام لن يكون قيد العمل الكامل حتى ديسمبر (كانون الأول) من عام 2017. ويأمل المسؤولون في كوريا الجنوبية أن تعمل الولايات المتحدة على طمأنة الشعب الكوري الجنوبي الذي يعاني من توتر وخوف شديدين حيال موثوقية مظلتها النووية، والمسماة هناك بأدب «الدرع الموسعة». ومن شأن ذلك أن يعني المزيد من طلعات الطيران بالقاذفات الأميركية «بي-52»، و«بي-1»، والمزيد من الزيارات الرسمية من قبل المسؤولين الأميركيين والمزيد من المحادثات الدفاعية الثنائية مثل تلك المقرر انعقادها في واشنطن خلال الأسبوع المقبل.
تلقى دعاوى استئناف العلاقات الدبلوماسية مع بيونغ يانغ القليل من الدعم الشعبي في سيول، ولكن كوريا الجنوبية والولايات المتحدة قد تركتا الباب مواربًا حيال ذلك. ومن مقاربات حفظ ماء الوجه سوف تكون المحادثات الأميركية السرية والتمهيدية مع كوريا الشمالية والتي قد تؤدي فيما بعد، في سياق التنسيق مع الصين، إلى المحادثات العلنية حول نزع السلاح النووي. ولكن ليست هناك من إشارة إلى أن كوريا الشمالية راغبة في إجراء مثل تلك المحادثات.
ماذا يمكن أن يحدث إذا ما أخفقت هذه الجهود، ونشر كيم الصواريخ الباليستية ذات الرؤوس النووية والتي يمكنها ضرب الولايات المتحدة الأميركية؟ أجاب أحد كبار المسؤولين الأميركيين في المؤتمر هنا قائلا: «علينا النظر حينئذ في الضربات الاستباقية».
ولكن بصرف النظر عن العبارة المستخدمة، فإن الخيار العسكري غير المستساغ قد يواجه الرئيس الأميركي المقبل، لسبب بسيط، هو أنه ما من شيء آخر قد نجح حتى الآن.
* خدمة «واشنطن بوست»