محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

بيروقراطية «الشريط الأحمر»

يعرّف قاموس أكسفورد مصطلح «الشريط الأحمر Red Tape» بـ«الروتين الحكومي» الذي ينشأ من بعض القوانين التي لا تبدو مهمة، وتسبب عادة تأخيرًا وصعوبات في تحقيق أمر ما.
والمفارقة أننا حينما نفتتح متجرًا أو شركة أو مشروعًا عامًا، يقص راعي الحفل «الشريط الأحمر»، وكأنه يحتفل معنا بانتهاء سلسلة إجراءات بيروقراطية مملة. ويروى أن تاريخ «الشريط الأحمر» يعود إلى الإمبراطورية الرومانية ومملكة إسبانيا في القرن السادس عشر، حيث كانت بعض المستندات المهمة تربط جيدًا بشرائط حمراء من أجل مزيد من التدقيق واتخاذ القرارات الحاسمة بشأنها. وذلك أيضًا للتفريق بينها وبين الملفات الروتينية. كان ذلك نوعًا من أنواع تطوير أساليب الرقابة على الإجراءات الإدارية في الإمبراطورية المترامية الأطراف آنذاك.
فإذا كانت فكرة الشريط الأحمر نابعة من تدقيق الأمور المهمة، فمن باب أولى أن ينحصر هذا التقليد في تلك الملفات المهمة، لا أن يشمل الأمور الروتينية وتحميل المراجعين وأصحاب المصالح ما لا يطيقون.
وإذا كان الاتحاد الأوروبي نفسه يقيم مسابقة لأفضل أفكار تسهم في «قص الشريط الأحمر» أو الإجراءات البيروقراطية، فمن باب أولى أن تفعل بلدان العالم الثالث ذلك لنرتقي بسرعة قياسية بإجراءاتنا في العالم الثالث، علّنا نلحق بركب الحضارة، لا سيما أن تقدم الإدارة صار يقاس بمدى قلة إجراءاتها المعرقلة.
ومن غير المعقول أن ندخل القرن الحادي والعشرين ونرى دولاً تجري معاملاتها عبر تطبيقات الهواتف، في حين تضرب أخرى أسوأ أمثلة البيروقراطية والروتين؛ منها تشبثها بحفلة التوقيعات، وتقديم مستندات مكررة، أو تعبئة نماذج أو «استمارات» مهلهلة كثير من معلوماتها محفوظ في سجلات المؤسسة سلفًا. ومن أسوأ نماذج بيروقراطيتنا حينما تكتشف أنك أصبحت «مراسلاً داخليًا» للإدارات، يرسلونك لتنقل معاملتك من شباك لآخر ومن دون مقابل! باختصار، نحن نقوم بدور الموظفين، وهو أمر لا نكاد نجده في القطاع الخاص، لأن الهدف راحتك وإسعادك.
والروتين ليس مقصورًا على الحكومات، فقد نجد روتينًا قاتلاً في إدارة صغيرة تجارية كان يمكن لمديرها أن يتجاوزه في ظل صلاحياته. ولذا نحيي المديرين الذين تحتكّ إداراتهم بالجمهور فيبادرون مثلاً بحساب سرعة إنجاز كل معاملة، ثم يكرمون شهريا من «يتقن عمله وينجز بسرعة». وهذه لا تحتاج إلى موافقات عليا أو تعذر بقوانين الدولة. ثم ما الذي يمنع هذه الإدارات من أن تعلن داخليًا للجمهور أو للعامة عبر وسائل الإعلام، بالأرقام، عن مدى تقدمها في سرعة الإنجاز.
الروتين لا يحتاج إلا إلى قرار شجاع، ولا يقدم عليه سوى ذوي الرؤية الثاقبة الذين سيشار إليهم بالبنان عاجلاً أم آجلاً. هؤلاء هم من تجرأوا على قص «الشريط الأحمر» إيذانًا بوأد ما تبقى من بيروقراطية.