د. كريم عبديان بني سعيد
ناشط حقوقي ومهتم بقضايا إيران
TT

قانون عقوبات «داماتو» واللوبي الإيراني في واشنطن

استغرقت الاتفاقية النووية التي وقعت إيران والولايات المتحدة على تنفيذها في يناير (كانون الثاني) الماضي، أكثر من 4 سنوات من المفاوضات المتواصلة، سبقتها مفاوضات سرية في سلطنة عمان. من هذا المنطلق، من الصعب أن نعتقد أن أعضاء مجلس التعاون الخليجي ومعظم دول المنطقة لا تعلم بما جرى خلال هذه المفاوضات على أراضي أحد أعضاء المجلس، وبالتالي من المستبعد أنها قد تكون غير مستوعبة الأخطار التي تنجم عن هذه المفاوضات على مصالحها وأمنها.
هذه المفاوضات السرية الثنائية بين إيران والولايات المتحدة جاءت في خضم المحادثات المستمرة بين مجموعة 5+1 وإيران حول نشاطها النووي المثير للجدل الذي تداعياته الخطيرة على مسافة مرمى حجر عن الدول الخليجية، قبل أن يكون خطرا يهدد الدول العظمى في العالم. ولكن حتى هذه اللحظة الدول الخليجية لم تحصل على كل تفاصيل الصفقة النووية ولم تخض داخلها وتعرف ما عليها إلا ما تسمعه من الرسائل الشفهية عبر الزيارات الخاطفة أو الرسائل الكتبية التي يبعث بها بعض الزعماء. لا أحد يهتم بالمصالح العربية إذا كانت هذه الدول غائبة تماما عن ساحة المفاوضات وبالنتيجة إيران ستحصل على شيك على بياض لاجتياح الدول العربية.
حتى هذه اللحظة، صرفت إيران أكثر من 100 مليار دولار لتجهيز مرتزقتها وعملائها في المنطقة كي تتحرك أكثر في العمق العربي وفي المقابل، الدول العربية اجراءاتها ليست كافية للحد من توسيع نفوذ إيران في المنطقة العربية.
أما في الوقت الراهن فيطرح موضوع في غاية الأهمية في واشنطن يتعلق بالعقوبات الأميركية التي تبناها السيناتور آلفونسو داماتو ممثل ولاية نيويورك في مجلس الشيوخ ضد إيران وليبيا في عام 1995، ليبيا خرجت من شمول هذا القانون بعد تخلي معمر القذافي الحاكم السابق عن نشاطاته النووية المشبوهة، وإغلاق جميع مراكزه النووية. لكن إيران زادت من نشاطها المثير للجدل واستمرت العقوبات ضدها. سريان هذه العقوبات سينتهي في نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) من هذا العام، ومقارنة بالأعوام الماضية التي كان يتم فيها تجديد هذه العقوبات لفترة جديدة بعد كل خمس سنوات، نجد أن الرئيس أوباما المحاط باللوبي الإيراني حتى في داخل البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي الأميركي، هذه المرة وبعد إبرام الاتفاقية النووية، غير راغب في تمديد «قانون العقوبات الإيرانية». هذا القانون الذي يستهدف قطاع الطاقة والاستثمارات الأجنبية في إيران، قد جاء بطلب من السيناتور داماتو لفرض عقوبات على القطاع النفطي وسدّ الطريق أمام الاستثمارات الأجنبية وفي مقدمتها استثمار شركات أميركية في داخل إيران بسبب توجهات النظام الإيراني للحصول على سلاح دمار شامل. آخر مرة تم تجديد هذا القانون في 31 ديسمبر 2011، ومن المفروض أن يتم تجديده مرة أخرى في نهاية ديسمبر القادم.
بعد إبرام الاتفاقية النووية مع إيران، الدول المفاوضة قررت رفع العقوبات في حال التزام إيران بتعهداتها وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2231 وجميع ملحقاته، خاصة الملحقات المتعلقة بمنع التجارب الصاروخية التي خرقتها إيران مرارا وتكرارا. في هذه الأثناء قانون عقوبات داماتو سيبقى ساريا ما دام لدى إيران نوايا للحصول على صواريخ باليستية، يمكن شحنها برؤوس نووية أو كيميائية ما دام لا توجد هناك شفافية في نشاطات إيران السرية، وما دام لا يوجد جزم في الوكالة الدولية للطاقة النووية حول الانتهاء من توجهات إيران للحصول على قنابل نووية أو كيميائية.
الحرس الثوري الذي يملك كل المفاعلات الحساسة والمشتبه بها في صناعة القنابل النووية والكيميائية، ما زال مستمرا في نشاطه المشبوه ويخرق القرارات الأممية المتعلقة بالصواريخ الباليستية وبين حين وآخر يقوم بإطلاق صواريخ محظورة، ويهدد دول الجوار ولا يخفي مطامعه الشريرة للاستحواذ على جميع مفاصل القوة في الشرق الأوسط، ويداوم في احتلاله السافر لسوريا والعراق واليمن ولبنان.
في هذه الظروف هناك فرصة للدول العربية لتخطو خطوة تجاه مصالحها الرئيسية والدفاع عن أمنها وسيادتها بالوقوف في وجه السياسة الإيرانية الاحتلالية والعدوانية، من خلال التحرك الجاد في الولايات المتحدة والضغط على الرئيس الأميركي لعدم تخليه عن قانون عقوبات داماتو.
العرب لديهم طاقات واسعة في واشنطن وليسوا أقل قوة اقتصادية ودبلوماسية من اللوبيات الإيرانية، عليهم تجميع قواهم المتبعثرة وتركيزها على هدف معين، من خلال التواصل الحقيقي مع المشرعين في الولايات المتحدة. ومن خلال تجربتي الطويلة في واشنطن وحضوري في اجتماعات مهمة داخل الكونغرس الأميركي، بمقدور العرب التفاهم مع أجنحة سياسية أميركية مستوعبة الخطر الإيراني، وتبحث عن تضافر الجهود ضدها.
وخلال متابعتي للشأن الإيراني في الولايات المتحدة وحضوري كمستشار في جلسات متعددة في الكونغرس والخارجية ومؤسسات مقربة من صنع القرار في واشنطن، أعرف أنه في الوقت الحاضر يعمل اللوبي الإيراني المعروف بـ«ناياك» NIAC في العاصمة الأميركية بشكل مكثف على إقناع الرئيس أوباما، من أجل وضع نهاية لقانون داماتو، متذرعا بإبرام الاتفاقية النووية ووفاء إيران بكل التزاماتها تجاه المجتمع الدولي، خاصة فيما يتعلق بموضوع قانون داماتو حول التوجه إلى أسلحة الدمار الشامل. بينما الولي الفقيه يستبيح المنطقة ويشعل حروبا ضد الشعوب العربية. بالتزامن مع ذلك يخوض اللوبي الإيراني في أميركا حربا دبلوماسية في عاصمة القرار الأميركي ضد العرب، وعلى العرب أن يكونوا على بينة من حجم وتأثير وأهمية هذا النشاط الأميركي على مصالحهم، ويجب أن يعملوا على قطع الطريق أمام المشاريع الإيرانية قبل فوات الأوان.
حرب اللوبيات في الولايات المتحدة لا تقل أهمية عن الحروب القائمة في الشرق الأوسط بين إيران والعرب، وربما أكثر أهمية من المقاومة في حلب أو في اليمن، ومن دون تحرك عربي مضاد يواجه اللوبي الإيراني في واشنطن تصبح كل الأفعال المناهضة للسياسة التوسعية الإيرانية في المنطقة بلا جدوى.
في ظل هذه التحركات الإيرانية وتصاعد عدوان نظام الملالي ضد الشعوب العربية، تخلى باراك أوباما عن المواطنين السوريين والليبيين والعراقيين واللبنانيين أمام الزحف الإيراني، وتركهم أمام آفة الولي الفقيه المدمرة وحدهم، وأقولها بصراحة، إذا لم يقم العرب بتحرك قوي أمام اللوبي الإيراني في أميركا، فسوف نرى تخلي زعماء أميركا القادمين أيضا عن الدول العربية.
وبناء على ما تقدم، وفي الوقت الذي تضع إيران فيه معظم طاقتها المالية والدبلوماسية في واشنطن، من أجل رفع كامل للعقوبات عنها، حيث تنفق أكثر من 950 مليون دولار سنويا للوبي التابع لها في أميركا حسب ما نشرته مجلة «المجلة» في عددها الصادر في سبتمبر (أيلول)، أصبح من أهم الواجبات الدول العربية المتضررة من إيران، دعم استمرارية مشروع تمديد قانون السيناتور داماتو حتى نهاية 2031 المطروح من قبل نواب بالكونغرس الأميركي، الأمر الذي سيلقى تأييدا كبيرا من قبل أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي.