ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

لا تنخدع.. فسياسة ترامب الخارجية مخيفة بالفعل

يبدو من حديث ترامب أنه آخذ الآن في التحول لنمط «المرشح المسؤول»، فقد بدت ملاحظاته عن السياسة الخارجية التي عبر عنها مساء الأربعاء الماضي أكثر تحفظًا إلى أن تبدأ في تحليل التفاصيل.
دعونا نبدأ بتعليق ترامب خلال منتدى نظمته قناة «إن بي سي» قال فيه إنه «كان سيستولي على النفط» بعد غزو العراق. يتوافق هذا الطرح مع ما يعتقده غالبية العرب ممن يتبنون أكثر نظريات المؤامرة تطرفًا ويرونه كهدف وحيد للتدخل الأميركي في العراق. بيد أن وجهة نظره التي ترى أن الاستيلاء على النفط كان سيوقف تقدم تنظيم داعش تعكس تخلفًا واضحًا، فالحقيقة هي أن هذا، إنْ حدث، لكان بمثابة أداة لتجنيد المزيد من منتسبي «داعش».
كان لخطاب ترامب نغمة إمبريالية جديدة، فعندما ألح المعتدل مات لوار في سؤاله لترامب عما كان سيفعله في السابق، أو ما سيفعله في المستقبل حال أصبح رئيسًا، جاءت إجابة ترامب كالتالي: «كان هناك جماعة معينة خلفك، وأنت تسيطر على العديد من المناطق المليئة بالنفط، وكما تعرف، فإن الغنائم من نصيب المنتصر. لكن الآن لا يوجد منتصر هناك، صدقني، كثيرًا ما قلت: استولِ على النفط».
فبالنسبة للقائمين على دعاية تنظيم داعش، فإن ترامب هو السخي الذي لا يكف عن منح الهدايا.
ففي منتدى يهدف إلى اختبار لياقة المرشحين لتولي منصب القائد الأعلى، أظهر ترامب سخطه على بنية نظام الأمن الأميركي، حسبما أظهر نقده الحاد للقيادة العسكرية الأميركية.
بفضل الرئيس أوباما وهيلاري كلينتون «تحول جنرالات الجيش إلى ما يشبه الركام»، وفق تعبير ترامب، مضيفًا أنه «أمر مخجل لبلادنا» أن يصبح الجيش على هذا الحال، وفي حال انتخاب ترامب «سيكون هناك جنرالات مختلفون يوجهون له النصيحة ويستطيعون هزيمة (داعش)، سيكون لدينا جنرالات مثل جورج باتون، الذي يرقد في قبره الآن».
أؤكد لكم أن الرؤساء بمقدورهم تعيين جنرالات جدد، فالرئيس أبراهام لنكولن عزل الجنرال جورج ماكلين لاقتناعه «بتباطؤه» في توحيد الولايات. لكن الجيش الأميركي الحديث يعتبر قوة محترفة بالغة التطور تقدم مشورة عسكرية غير حزبية. لكن تأكيد ترامب أن الرجال والنساء الذين قضوا 15 عامًا في الحرب هم مجرد «ركام» واستخدامه لتعبير «مخجل» أمر غير عادي، فأي إنسان على دراية بكبار القادة العسكريين في بلاده ما كان له أن يتفوه بتلك الكلمات.
إن أراد ترامب أن يتحدث بشكل جدي عن الأمن القومي، فعليه أن يفهم أن هناك شبه إجماع بين قادة الجيش أنه من الخطأ إرسال قوات برية كبيرة في العراق أو سوريا. فإن كان لديه بديل، ما هو؟ فحديثه عن أنه لا يريد الإفصاح أمام الأعداء عن خطته السرية لن يدوم أكثر من شهرين قادمين.
الأمر المحير الثالث جاء في سياق نقاش ترامب للمعلومات السرية التي تلقاها الشهر الماضي. الإجابة الصحيحة كانت أن يقول مثلا «لن أناقش معلومات سرية»، لكن ما فعله ترامب كان ماكرًا بالفعل: فقد أوحى بأن أوباما تجاهل توصيات سياسية من رجال الاستخبارات و«لم يتبع ما نصح به الخبراء». لكن ترامب علم بهذا لأنه «ماهر في استخدام وفهم لغة الجسد» ويستطيع «فهم أن المحللين لم يكونوا راضين».
يعكس هذا حالة من سوء الفهم المزمن في طريقة عمل الاستخبارات، فالمحللون لا يصدرون توصيات، لأن هذا إن حدث، فسوف يعتبر مخالفة لمهام عملهم الأساسية. فما يفعلونه في أحسن الأحوال هو القيام بتقييم أمين وغير عاطفي يوضح جدوى ما إذا كانت سياسة ما ناجحة أم لا. فعلي سبيل المثال، استمر المحللون لعقود طويلة يقدمون تقييمًا خطيرًا للتدخل العسكري الأميركي في فيتنام، ولبنان، والعراق وسوريا، لكن هذا لا يعني أنهم تدخلوا في تحديد السياسات.
إنْ حدث وتلقى ترامب معلومات استخباراتية جديدة، فيجب أن يدون على غلافها عبارة تقول «السيد المرشح، برجاء عدم اعتبار مضمون هذه الجلسة نصيحة سياسية».
المفاجأة الأخيرة التي حدثت مساء الأربعاء كانت حماسة ترامب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث قال «لو قال أشياء عظيمة عني، سأقول أشياء عظيمة عنه، فقد قلت بالفعل إنه قائد حقيقي، وكنت أقصد أن الرجل يحكم سيطرته بالفعل على بلاده».
فالرومانسية الأخوية بين ترامب وبوتين أصبحت مخيفة إلى حد كبير، خاصة أن بوتين قام بغزو شبه جزيرة القرم، ويخوض حربًا بالوكالة في أوكرانيا، وتدخل في سوريا، ليقلب ميزان القوى العسكرية في الشرق الأوسط، ويتعمد شبيحته إهانة الدبلوماسيين ورجال الاستخبارات الأميركيين في جميع أنحاء العالم. وسبق أن حذر الجنرال جوزيف دنفورد، رئيس الأركان العامة المشتركة، من أن روسيا في عهد بوتين تشكل تهديدًا على الولايات المتحدة.
وكان رد فعل ترامب كالتالي: «أعتقد أنني سأكون قادرًا على الوصول إلى تفاهم معه». نظرة ترامب للسياسة الخارجية أقرب للتفاهم مع الفاشستيين من أعضاء «نادي الكبار» الذين يسرقون نفط الدول الأخرى، ويعزلون الجنرالات، ويسيسون المعلومات الاستخباراتية، ويتحالفون مع زعيم روسي ربما يدبر لعمل خفي ضد النظام السياسي الأميركي.
فهل يعقل أن تكون تلك هي المقدمة المقبولة لرجل من المفترض أن يصبح القائد الأعلى؟

* خدمة «واشنطن بوست»