مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

حكومة العالم الخفية!

في البداية، عنوان المقال، هو ترديد لأدبيات سابقة معروفة عن القوى الغامضة الشريرة. هنا محاولة لاستعادتها بشكل حديث.
قبل أيام تذمر نائب في البرلمان البريطاني من عدم التعاون «الجدي» من قبل شركات الإنترنت التي تمتلك أشهر التطبيقات التفاعلية، حين طلب منها التحقق من حساب ما أو محتوى ما.
النائب فسّر هذا التقاعس، بحرص هذه الشركات على «حماية العلامة التجارية» لها، ولم يفسر هذا التقاعس برطانات ليبرالية معتادة عن الحرية والخصوصية.
نتحدث عن أعرق برلمان، وأقدم ديمقراطية في العالم!
الشركات التي تمتلك أشهر تطبيقات التفاعل على الإنترنت، هي الأسرع نموا، وتأثيرا، ليس في عالم تكنولوجيا الاتصالات، وحسب، بل في عالم السياسة والأمن والثقافة.
يقودها بهذا التضخم والهيمنة، معدلات أرباح خرافية سريعة التكاثر، جعلت من بعض الشبان العاديين، سادة قوائم الأكثر ثروة في العالم، صحيح أن أغنى الأغنياء، الأميركي بيل غيتس رائد (مايكروسوفت) كان افتتح هذه المسيرة لأثرياء الإنترنت، لكن قصته مختلفة و«حقيقة» وفيها صناعة. بينما أثرياء مثل (زوكربيرغ) وشركائه أصحاب (فيسبوك) و(دورسي) ورفاقه أصحاب (تويتر) وطبعا، العملاق غوغل، وغيرها، سهلوا الأمر، فصار ابتكار تطبيق افتراضي على الإنترنت، هو الطريق السريع نحو الثراء الخرافي، ثم التأثير على السياسة والأمن والثقافة.
أقطاب هذه «التجارة» لوبي عالمي ضخم، يدير مئات المليارات، يتحكم في منصات الإعلام، يسانده في ذلك شعارات يسارية وليبرالية عن حرية الرأي وتداول المعلومات وحماية الخصوصية. «لوبي» يقاوم كل جهد حقيقي لتطويق هذا «الانفلات» الرهيب في مقومات الأمن وحتى الصحة النفسية والأسرية في العالم، دفاعا عن الأرباح السحرية، وهذه الأرباح مربوطة بالتوسع في عدد العملاء و«الزبائن» بقاعدة البيانات.
إنها لعبة، يستخدم فيها الترهيب بقيمة الحرية والليبرالية والخصوصية، والاستعانة بجوع «الإدمان» الذي يهيمن على سكان الكوكب: «للتفاعل» على هذه التطبيقات.
الغريب أن هذه الخصوصية التي تدعي هذه الشركات الدفاع عنها، وتخيف بها الحكومات، هي أول من ينتهكها لعيون الأرباح، كما جرى مؤخرا حول بيع (واتسآب) أرقام العملاء على (فيسبوك) ورأى البعض أن ذلك يمثل انقلابا على التعهدات السابقة.
بالعودة لحديث النائب البريطاني، فإن برلمان ويستمنستر، قد أقر صيف 2014 مشروع قانون يسمح للشرطة بالاطلاع على سجلات شركات الاتصالات لمستخدمي الهواتف وشبكة الإنترنت.
حينها علقت وزيرة الداخلية تيريزا ماي، رئيسة الحكومة الحالية، بأن تأخير هذا التشريع سـ: «يهدد أرواح الأبرياء».
قبل ذلك كانت المحكمة الأوروبية أصدرت، أبريل (نيسان) نفس العام، حكما بإعادة دراسة قوانين حماية البيانات الشخصية بالإنترنت. الله غالب، نحن أمام «لوبي» هائل لم تفلح حتى بريطانيا، مخترعة الديمقراطية، في مواجهته، حتى تاريخه!
[email protected]