نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

مقياس ترامب

أميركا تحتل المراتب الأولى في الإيجاب والسلب، في مجال السينما لم يتفوق عليها أحد، وفي مجال الرياضة كذلك، وفي مجال الإنتاج الحربي حدِّث ولا حرج، وهذا بعضٌ من تفوقها في مجال الإيجاب.
أما في السلب، فهي صاحبة أعلى نسبة بدانة في العالم، وأكبر دولة مدينة في التاريخ، وأكثر دولة تنتج وتتعاطى المسكنات والمقويات، وهذا الذي ذكرت هو غيض من فيض، بل إنه مجرد عينات تدل على التفوق الأميركي، وعلى المقياس الحضاري الذي يعتمد في مجال المقارنة والمفاضلة.
وفي زمن الانتخابات الأميركية الذي يشكل ربع الحياة في ذلك البلد العملاق، فقد نشأ في هذا الزمن مقياس أميركي جديد يشبه مقياس ريختر في مجال الزلازل، إلا أنه يسمى مقياس ترامب في مجال السياسة والزعامة، فمنذ تأسيس الولايات المتحدة الأميركية وعلى مدى عمر تداول الرئاسة فيها، لم تسجل ظاهرة شبيهة بظاهرة ترامب، إذ لم يشاهد مرشح أميركي وهو يجز شعر مصارع لم يعجبه على الحلبة، ولم يسمع من مرشح رئاسي ما سمع من ترامب بخصوص المسلمين والمهاجرين، كما لم يحدث أن تحولت أميركا إلى دولة عالم ثالث في الاتهامات الانتخابية المتبادلة، حيث جر ترامب خصومه إلى منطقه فاتهموه بانعدام الأهلية للرئاسة، ولولا الحرص على بقايا تهذيب في المخاطبة لاتهمته منافسته بالخيانة العظمى، نظرًا لكونه يروّج لأهداف المنافس الدولي الأول روسيا على حساب المصالح الأساسية للولايات المتحدة، وبالإمكان تفسير ذلك كنتاج طبيعي لحمى التنافس في الانتخابات، فتحت وطأة هذه الحمى تزول المحرمات وتتلاشى الخطوط الحمر، خصوصًا الأخلاقية منها، لينتهي الأمر باتصال هاتفي يبادر به المهزوم ليبارك فوز خصمه.
وحين دخل دونالد ترامب إلى الحلبة وصار منافسًا ذا شأن في الانتخابات الرئاسية، صار مقياسًا معتمدًا وربما وحيدًا لسوء كفاءة القادة والحكام في أدبيات معارضيهم، وظهر مصطلح جديد هو.. «إنه يشبه ترامب»، ففي مقالة لافتة للكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان، لم يجد وسيلة لانتقاد رجب طيب إردوغان أنجع وأكثر بلاغة من تشبيهه بترامب، فقد وجد الكاتب الأميركي قرائن دامغة تجسد خصائص مشتركة بين الرجلين.
أما في إسرائيل حيث الامتداد النفسي والثقافي والسياسي لأميركا في الشرق الأوسط، فقد جرى وعلى نطاق واسع استخدام مقياس ترامب من قبل خصوم نتنياهو للتشهير به والتخويف من وسائله في استخدام السلطة وتأمين البقاء فيها، ولأن لكل بيئة خصائصها فالبيئة الإسرائيلية أغرت معارضي نتنياهو على التذكير بولعه في التخويف كي يتكرس عند المصوتين له كحامٍ ومنقذ، وهذه هي الخاصية الأعمق التي يتشابه فيها المرشح الأميركي ترامب وامتداده الإسرائيلي نتنياهو، وهذا المقياس اعتمد بينما صاحبه في أول الطريق نحو البيت الأبيض، وما إن تنقضي الشهور الأربعة الفاصلة بين نجاحه أو سقوطه، فلا مناص من أن يرى العالم العجب العجاب، وفي كل يوم لا بد وأن يتكرس مقياس ترامب لتقويم الزعماء من قبل معارضيهم، فهذه هي أميركا وهذا هو قدر العالم معها، فإن أُفلت منها مقياس ريختر للزلازل فسوف تحتفظ وإلى ما لا نهاية بمقياس ترامب في السياسة والرئاسة.