خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

لاري مقيم على العهد

لدائرة البريد البريطانية تاريخ طويل تعتز به. من صفحاته التعاون مع القطط في محاربة الفئران والجرذان. عانت المؤسسة من غزواتهما على مخازن البريد، تقضم ما فيها من رسائل وطرود في القرن التاسع عشر. فشلت كل المحاولات في التخلص منها. ولكن مأمورًا لوذعيًا استنجد بعدد من القطط وتغلب بها على الفئران. دأبت كل مكاتب البريد في الاعتماد عليها، وخصصت المؤسسة مبلغًا سنويًا من الميزانية لإطعام القطط. فهي تصطاد الفأر، ولكنها تقتله ولا تأكله.
لا توجد إحصاءات دولية عن عدد القطط، ولكن يخيل لي أن بريطانيا تحتل المرتبة الأولى. والآن اكتشفنا أن مقر رئيس الحكومة 10 داوننغ ستريت لم يسلم منها. وخشي القوم من مصير أوراق الحكومة. يظهر أنهم استشاروا دائرة البريد في هذا الشأن. وكان الجواب «عليكم بالقطط». فجاءوا من ملجأ القطط في منطقة باترسي بواحد منها. فبريطانيا ترفض قبول اللاجئين ولكنها تعتز بهذا الملجأ للقطط السائبة. استوردوا منها هذا القط النشيط «لاري». وكلفوه بحراسة أوراق رئيس الوزراء من عبث الفئران. قام بالمهمة على أحسن ما يرام.
سرعان ما أصبح هو صاحب البيت. يأتي رئيس وزراء ويذهب رئيس وزراء وهو باقٍ على العهد. ويظهر أن السيدة كاميرون، زوجة رئيس الحكومة السابق، ديفيد كاميرون، قد تولهت به شغفًا إلى حد أن أشغلته عن مهمته الموكل بها. والآن حل موعد الرحيل باستقالة الرئيس الساكن في الدار. ومن تقاليد الحكم في بريطانيا أن يسرع الرئيس المستقيل بشد عفشه حالاً ويبارح الدار للرئيس الجديد، السيدة تيريزا ماي التي جلست في دارها مع زوجها وهما على أحر من الجمر لتسلم مفاتيح 10 داوننغ ستريت.
وماذا عن القط لاري؟ هل ستأخذه السيدة كاميرون مع عفشها وفرشها؟ وكان هذا موضوع شغل الصحافيين والإعلاميين. مصير القط لاري. اكتشفوا أن المسؤولين عن الدار تخوفوا عليه من الخطف إذا خرج هذا القط المدلل من بيته ليلاً على عادة بني جنسه، البسس، وخرج ليتصيد الفئران في متنزه سان جيمس المجاور، وتناسى المسؤولية عن فئران مقر الحكومة. قد يخطفه أحد عملاء «داعش» ليساهموا عليه.
منعوا لاري من الخروج حتى ينصرم الليل وتعود الحياة للديرة. اكتشف مراسلو الصحف والإذاعة أن المسؤولين في البيت يفتحون الباب عند الساعة السادسة صباحًا بعد أن ينصرم الليل. وفي اليوم الذي غادرت أسرة كاميرون سرًا من البيت، احتشد المصورون والمراسلون ممن يعرفون لاري وسلوكه. وقفوا بكاميراتهم ليصوروا قط الحكومة حالما يطل من شق الباب، باب عشرة داوننغ ستريت، ويتأكدوا أن السيدة كاميرون المتيمة بحبه لم تأخذه معها.
وما أن سمع القوم ساعة بيغ بن الشهيرة تدق الساعة السادسة حتى فتح الباب وأطل لاري خارجًا من الدار ليقوم بمشواره اليومي من التمشي والتحدث مع بقية القطط في متنزه سان جيمس المجاور. وهو ما كان. أطلت الصحف حاملة صورة لاري. نعم إنه مقيم على عهده في حماية أوراق الحكومة من الفئران.