حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

قلع جذور التطرف

عندما سقطت النازية وهزم أدولف هتلر في نهاية الحرب العالمية الثانية، انتفضت ألمانيا انتفاضة كاملة وقررت أن تراجع نفسها مراجعة كاملة وعميقة جدًا.
نظرت إلى داخلها نظرة عميقة وموضوعية ودون تحيز، وبمنتهى الجدية اكتشفوا أن أول «حلول» المشكلة هو تشخيص الداء، وتبين لهم أنهم لا بد أن يستأصلوا الفكر النازي من «جذوره».
وبدأت حملة شرسة جدًا لاقتلاع كل آثار الفكر النازي (المباشر وغير المباشر) من كل ما له علاقة بالتراث والثقافة والفكر والسياسة والفنون في ألمانيا. فبدأ التنبيش في فكر غوته ونيتشه وكانط وتمت مراجعة كافة منتجاتهم بعمق ودقة، خوفًا من أن تكون إحدى مكونات التأثير على الغير وتأسيس منهاج للتطرف ومن ثم النازية. بل إنهم توغلوا في الإرث الموسيقي ومنعوا الاستماع إلى موسيقى المؤلف الموسيقار الألماني الشهير فاغنر، الذي كان يستمع إليه أدولف هتلر بشكل دائم ومتواصل، فتم حظر ومنع الاستماع لموسيقاه خوفًا من أن تكون إحدى العناصر المؤثرة فكريًا على الناس وتساعدهم على التطرف.
ألمانيا أدركت أنها أمام مواجهة مصيرية، مواجهة تحتم عليها أخذ القرار بجدية في أن تكون أو لا تكون، وبالتالي أمام خطورة وفداحة هذه المسألة، كان لا بد لها أن تواجه المسائل الشائكة في وجه النازية بأيدٍ من حديد وبلا أي مجاملة.
وهذا هو تمامًا المأزق الذي يواجه العالم الإسلامي اليوم، هو قدرته على مواجهة التطرف والتشدد الكامن بين صفحات عدد من المؤلفات التي يستخدمها أصحاب التطرف في شرعنة وتأصيل مواقفهم وأفعالهم، وبالتالي جرائمهم.
اليوم تتكرر مشاهد الاغتيالات والأعمال الإرهابية على أيدي منظمات الدم والموت من أشكال «القاعدة» و«حزب الله» و«داعش» الذين يقتلون ويدمرون، ينفذون ذلك بناء على قاعدة من الفتاوى والآراء الغريبة. وطالما استمر الطرح والمواجهة بقفازات من حرير فلن تكون النتائج جدية ونافعة ومؤثرة وحيوية أبدًا. يجب أن نعي وندرك تمامًا أننا يجب أن نتخذ خطوات مختلفة لاستئصال الفكر الإرهابي من جذوره، وأن المشوار سيكون شاقا، والأساس أن تكون القناعة اليوم متولدة أننا لا ينبغي القيام بذلك الأمر إرضاءً للغرب أو غيره، بل لأجل حماية الدين نفسه والمجتمعات الإسلامية من هذا الخطر، لأنها هي أكبر متضرر من ذلك، ومنها يسقط أكبر عدد من الضحايا.
المسألة في غاية الأهمية والخطورة، وشهر رمضان مضى وعمليات الجماعات الإرهابية لم تتوقف، والدماء تسيل في كل بلد إسلامي تقريبًا. علينا تنقية وتطهير أصول التطرف، وطالما لم يحصل ذلك فلن تكون هناك نهاية لمسلسل الدم مع الأسف الشديد.
عيد اقترب علينا والقلوب تخاف والعين تدمع من مشاهد القتل والدماء.