نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

اعتدال اضطراري

تكرس بنيامين نتنياهو، كرئيس وزراء شبه دائم لإسرائيل، بفعل قدرته الاستثنائية، على توسيع دائرة اليمين وحلفائه، وقدرته كذلك على الإفادة من تراجع قوة اليسار، بحيث أصبح بلا منافسين حقيقيين من المعسكر الآخر، إلا أنه دائم الخشية من أن يخرج له منافس فعال من داخل معسكره.
وعند الحديث الآن عن بنيامين نتنياهو، فلا بد أن يقفز إلى الصورة حليفه الجديد أفيغدور ليبرمان، الذي كان قبل ساعة من توليه منصب وزير الدفاع، أشرس منتقدي نتنياهو وأنشط العاملين لإسقاط ائتلافه القائم على صوت واحد، إلا أن عشق الموقع الوزاري في إسرائيل، جعل نتنياهو رجلاً في غاية المرونة تجاه ليبرمان، فمنحه أهم وزارة في إسرائيل وزفه في موكب مهيب، ليجلس على رؤوس جنرالات إسرائيل، وفي ذلك المكتب الذي يتقرر منه مصير الدولة.
المحللون أصحاب الجملة التلقائية الواحدة قرأوا في توزير ليبرمان مؤشرًا حاسمًا على عدم جدية إسرائيل في التعامل مع قضية السلام في زمن المبادرات الإقليمية والدولية، وقيل إن من يرغب حقًا في السلام لا يأتي بليبرمان وزيرًا للحرب، وقيل كذلك إن من رحب بمبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السلمية، لا يستبدل في ائتلافه الحكومي ليبرمان بهرتسوغ، خصوصًا أن هذا الاستبدال جاء في اليوم التالي لترحيب نتنياهو بتصريحات الرئيس السيسي.
الأمر هنا صار بحاجة إلى نوع من فرز الألوان المتداخلة، خصوصًا بعد أن سمع العالم تصريحات جديدة لنتنياهو وليبرمان، حول الموافقة على حل الدولتين، وترافق ذلك مع ترحيب ولأول مرة بالمبادرة العربية للسلام، ليس كأساس للحل وإنما كمقترحات قابلة للنقاش والتعديل والتبديل.
بمقياس المواقف القديمة للثنائي نتنياهو/ ليبرمان، فإن جديدًا قيل لم يقل من قبل، حتى على لسان أكثر المعتدلين اعتدالاً في إسرائيل، وحتى إيهود أولمرت الذي بدا كما لو أنه امتداد لإسحق رابين من فرط استعداده للحل مع الفلسطينيين، تجاهل المبادرة العربية، بل إنه قال إنه لم يسمع بها واقترح أن يأتي وزير الخارجية السعودي على رأس وفد عربي لعرضها أمام الكنيست.. هكذا وبلا رتوش.
غير أن هذا الجديد في التصريحات بدا دراماتيكيًا، ليس بفعل المضمون المشكوك فيه، وإنما بفعل الأشخاص الذين قالوه، وبديهي أن تلتقط هذه التصريحات في كثير من الدوائر الغربية والشرق أوسطية، كخيط يمكن تطويره ليصل على الأكثر إلى حد إطلاق محاولة سياسية جديدة، تتضافر فيها المبادرة الفرنسية مع مبادرة السيسي، ذلك أن ما هو ممكن في هذا الوقت هو إعداد طاولة المفاوضات والضغط على كل الأطراف للجلوس حولها، أما الحل وإنْ وضعت له أوقات افتراضية أو تقريبية أو حتى حدية، فبالإمكان مد هذه التوقيتات وفق التفسير التقليدي المعروف.. لا مواعيد مقدسة في السياسة.
مع نتنياهو وليبرمان لا بد أن يكون الحذر ثالثهما، إلا أن الإفادة من التصريحات الجديدة يحتاج إلى دهاء في التعامل المضاد، فهذه هي السياسة، وبدل أن يدخلنا نتنياهو/ ليبرمان في متاهات لا تفضي إلى شيء، فلم لا نفعل نحن العرب ما كان الإسرائيليون وما ينوون الآن فعله بنا؟ وما أقصده بالضبط هو وضعهم هم أمام الاختبار، فإن كانوا يريدون حقًا السلام، فالمبادرة العربية هي القاعدة لموقف عربي إسلامي شامل، ولو جرى الإخلال به فإن تشققات وانهيارات لا بد أن تظهر بما يصيب مبادرة السلام العربية الإسلامية في مقتل.
إن هنالك مجالاً موضوعيًا لتجربة سلام جديدة أكثر شمولية من التجارب السابقة، وبوسع العرب وخصوصًا معسكر الاعتدال الذي تقوده مصر، أن يصوغ موقفًا قويًا متماسكًا يحدث ذلك التوازن المفقود الذي كان سببًا جوهريًا في فشل أو بتر محاولات السلام قبل أن تصل إلى أهدافها النهائية، وإذا ما تبلور هذا الموقف وانسجم مع الاتجاه الدولي الشامل في حتمية إيجاد حل للمعضلة الفلسطينية، فساعتئذٍ تتحقق نتيجتان إيجابيتان؛ أولاهما تعرية الموقف الإسرائيلي إذا ما استمر في رفضه لعملية سلام متوازنة، ومن جهة أخرى الضغط على إسرائيل كي لا تكون التصريحات السلمية حالة اضطرارية بل خيارًا سياسيًا لا بديل عنه.