د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

الاتجاه نحو مدنية الدولة

اتخذ حزب النهضة الإسلامي التونسي خطوة جريئة في مؤتمره العاشر بفصل السياسة عن العمل الدعوي، حيث أبدى راشد الغنوشي زعيم «النهضة» استعداده للخروج من الإسلام السياسي نحو تأسيس حزب سياسي مدني، له مرجعية قيم حضارية مسلمة حديثة يختص فقط بالأنشطة السياسية ولا يمارس العمل الدعوي والديني. وأكد الغنوشي أن حزبه الذي يشارك في التحالف الرباعي الحاكم يخرج من الإسلام السياسي ليدخل في الديمقراطية المسلمة على غرار الديمقراطية المسيحية.
وأكد أن النشاط الديني يكون مستقلاً عن النشاط السياسي، وهذا أمر جيد للسياسيين لأنهم لن يكونوا مستقبلاً متهمين بتوظيف الدين لغايات سياسية، وهو أمر جيد أيضًا للدين حتى لا يكون رهين السياسة وموظفًا من قِبل السياسيين.
هل تحول حزب النهضة من حزب إسلامي مؤدلج إلى حركة سياسية حزبية مدنية؟ هل هذا التحول ابتداء الصحوة الحقيقية عند تيارات الإسلام السياسي؟ هل هي بداية حركة تنويرية عربية مثل ما حصل في الغرب في القرن الثامن عشر، أم أن القصد من التحول هو الوصول إلى السلطة بعد أن رفض الشعب التونسي في الانتخابات الأخيرة التوجهات الراديكالية وصوّت للتيارات المدنية؟ الغنوشي في بياناته يردد دائمًا بأن الإسلام ليس مضادًا للعلمانية والحرية.
الأمر الذي لا يعيه كثير من العرب والمسلمين، هو أن المسيحية أصبحت دينًا ودولة في عهد الإمبراطور الروماني قسطنطينوس الكبير عام 330 ميلادية واستمر الوضع كما هو في عهد كل الأباطرة والملوك.. ولم تقبل المسيحية أن تفلت السلطة السياسية من أياديها إلا بالقوة وبعد الثورة الفرنسية التي قلصت دور رجال الدين.
الدين الإسلامي تم تسييسه في القرن الماضي على يد الإخوان المسلمين ومن ثم تلته حركات دينية مختلفة منها الحركات «الجهادية» المعاصرة.
الأمر المؤكد هو تطور الاقتصاد والمجتمع والثقافة في المجتمعات العربية والإسلامية، فإنها حتمًا ستصبح مدنية مثلها مثل غيرها في المجتمعات الغربية.
هل حزب النهضة الجديد، المدني أو العلماني، يراهن على حقيقة أن ليس كل العرب أو المسلمين متعصبين دينيًا وإرهابيين مثل «داعش» و«النصرة» وحزب الله.. السؤال هو: هل نحن نعيش حاليًا مرحلة انتقالية بين العيش في مرحلة الدولة الدينية ونهيئ أنفسنا للانتقال إلى الدولة المدنية بإبعاد الدين عن الدولة أو السياسة قبل الانتقال إلى القفزة الحضارية نحو الحداثة؟.. هنالك قضايا شائكة يثيرها أعداء الإسلام، وهي هل الإسلام دين عنف أم تسامح في جوهره، الكاتب محمد شريف فرجاني يرى أن القرآن الكريم مثله مثل سائر النصوص الدينية والتأسيسية ذو موقف مزدوج في قضية العنف، والسبب هو أنه مرتبط بالظروف التاريخية التي عاشها النبي والمسلمون الأوائل، وهي ظروف كانت مليئة بالتحديات ومحاطة بالخصوم والأعداء ولكن روح السلام تتغلب في القرآن على روح العنف والعداء للآخرين في نهاية المطاف.
كنا نتمنى من حزب النهضة برئاسة الغنوشي ممارسة نقد الذات والاعتراف بأن الإخوان المسلمين بزعامة حسن البنا ألغوا المفاهيم الإسلامية المعتدلة والإصلاحية التي أثارها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وغيرهم، لأن حسن البنا هو الذي دعا الملك فاروق إلى إلغاء الأحزاب السياسية في مصر بحجة أن التعددية تؤدي إلى الفرقة وهي مرفوضة في الإسلام.
حسن البنا يرفض الحداثة والديمقراطية والتعددية الحزبية، فالديمقراطية، حسب مفهوم الإخوان، كفر ولا ينبغي للعالم الإسلامي أن يقلدها بأي شكل من الأشكال وإلا فقد روحه وقيمته وأصالته.. فالمشروعية لا يمكن أن تصدر عن الشعب أو البشر وإنما هي إلهية حصرًا وتتجسد في رجال الدين.
تحولُ حزب النهضة من حزب إسلامي راديكالي إلى حزب سياسي يمارس الديمقراطية جاء في وقت حرج محاولاً استرجاع قواعده العريضة في تونس. أيضًا لن يفرط حزب النهضة في مفهومه الديني، بل يحاول كسب كوادر وقواعد جديدة بعلمنة الدين.
حزب النهضة يحاول تجنب تجربة الإخوان المسلمين في مصر، فهم يحاولون تجديد أفكارهم السياسية نحو الأفضل.
لكن يبقى السؤال: هل هذا التحول جاء عن اقتناع حقيقي أم أنه مجرد تكتيك سياسي أملته التحولات المتسارعة في تونس والمنطقة العربية؟
ومهما كانت هذه الدوافع، فإن موقف حزب النهضة اليوم أفضل من السابق لأنه يتماشى مع روح العصر.