د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

العراق بين أميركا وإيران

انتفض الشعب العراقي بقيادة رجل الدين مقتدى الصدر، الذي قاد مسيرات سلمية جماهيرية تطالب بالإصلاح والقضاء على الفساد وتغيير القيادات السياسية بتشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن المحاصصة الطائفية، وقد داهمت الجماهير الغاضبة المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان، وقد صورت وسائل التواصل الاجتماعي هروب السياسيين العراقيين من البرلمان.
التساؤل هل ستؤدي كل هذه التحركات الشعبية إلى نتائج ملموسة تصبّ في مصلحة العراق ووحدته واستقراره؟ وما موقف الولايات المتحدة والدولة الإسلامية في إيران من التحرك العراقي، وما الجديد في الحراك السياسي اليوم؟ ولماذا يتم قمع قادة المظاهرات واغتيال قادتها؟ ولماذا طالب المتظاهرون بخروج إيران من العراق؟ وهل يمكن للعراق الاستغناء عن إيران؟
من أهم دروس الأزمة الحالية في العراق هو بدء الصراع بين التحالف الحاكم أو الأحزاب والحركات السياسية الشيعية، التي تدير الحكم منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 - فحزب الدعوة الإسلامي الذي يحكم العراق اليوم، يتعرض للنقد والهجوم من جماعة مقتدى الصدر الحليف السابق.
ما موقف الولايات المتحدة وإيران، وهما الدولتان الوحيدتان اللتان دعمتا تفرد الشيعة بالحكم، وساهمتا في إقصاء بقية مكونات الشعب العراقي ومنهم السنة.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حسن أنصاري أبدى استعداد بلاده للتدخل لحل الخلافات بين أطراف الأزمة العراقية، ويأتي التحرك الإيراني بعد خروج المظاهرات العفوية العراقية تطالب إيران بالخروج من العراق.. من أهم دروس الأزمة هو أن إيران في أضعف حالاتها، حيث أصبح حلفاء الأمس، ومنهم مقتدى الصدر تتخذ جماهيره موقفًا معاديًا لإيران.. من يصدق أن المالكي بدأ ينتقد السياسة الإيرانية.. قد تكون محاولة من السياسيين الشيعة لامتصاص نقمة الشارع العربي في العراق ضد إيران.
تجدر الإشارة هنا بأن الأزمة السورية، وتدخل إيران فيها بقوات كبيرة.. لم يؤدِ إلى نتيجة، خصوصًا بأن الولايات المتحدة وروسيا هما المبادرتان في وقف العنف في سوريا والدعوة للحوار في جنيف والإصرار على وقف القصف الجوي ضد مدينة حلب المنكوبة.. بمعنى آخر وجدت إيران نفسها مستنفدة وعاجزة عن عمل أي شيء في سوريا أو العراق.. إيران اليوم لا تريد التصعيد في العراق.. كل همّها اليوم توحيد صفوف الأحزاب والحركات الشيعية في العراق - إيران اليوم تواجه صراعًا حادًا بين أقطاب الحكم حول كثير من القضايا وأولويات الحكم في إيران، فالتيار الإصلاحي الذي حقق انتصارات جديدة في الجولة الثانية في الانتخابات التشريعية.. والتيار الإصلاحي الذي لديه الأغلبية في مجلس الخبراء والبرلمان، يسعى لتحسين الأوضاع الاقتصادية والمالية ورفع مستوى المعيشة للشعب الإيراني، بعد رفع العقوبات الدولية عنه، بينما يسعى المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي للحفاظ على النفوذ الإيراني في المنطقة.
ماذا عن الموقف الأميركي من الأزمة الحالية في العراق؟ وزير الدفاع الأميركي صرح بأن الولايات المتحدة تدعم موقف رئيس الوزراء العراقي الدكتور العبادي، رغم الاضطرابات السياسية في العراق ضده، ويعود سبب الدعم الأميركي للعبادي إلى حقيقة عزمه على محاربة «داعش» ونيته تشكيل حكومة تضمن جميع الأفرقاء.
من المفارقات العجيبة أن واشنطن تدعم العبادي، رغم معرفتها بانتمائه لحزب الدعوة الإسلامية المدعوم من إيران.
الموقف الأميركي يثير الريبة والشك، فهم يرفضون مفهوم وحدة العراق.. ومن جهة أخرى يدعمون الحكومة العراقية والأكراد ومشايخ القبائل، فقط لأنهم يريدون محاربة تنظيم داعش، متصورين بأن مشكلة العراق الحقيقية تكمن في محاربة إرهاب هذا التنظيم.. واشنطن عمليًا وفعليًا تدعم الحكومة الطائفية في بغداد، لأنها ترفض وحدة العراق، لأن هذا ليس من مصلحة إسرائيل، كذلك تدعم واشنطن الأكراد في شمال العراق، لأنهم الجهة الوحيدة التي لديها علاقات طيبة مع إسرائيل.
ما المطلوب من دول الخليج؟ من المهم جدًا أن تدعم دول الخليج التيار المدني العراقي، الذي يسعى إلى إقامة دولة مدنية عراقية بعيدة عن المحاصصة السياسية والطائفية البغيضة.. الشعب العراقي يستحق كل الدعم من كل دول العالم في محاربته للطائفية والفساد، والمتاجرة بالشعارات الدينية للتحكم في الإرادة الشعبية.