خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

اسم على مسمى

قلما انطبق عنوان كتاب على موضوعه، كما انطبق هذا العنوان «حضور الغياب» الذي نشرته أخيرا الكاتبة والباحثة السعودية د. نورة صالح الشملان، أستاذة الأدب العربي في جامعة الملك سعود. والغائب الحاضر هو الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله. فرغم وفاته قبل أكثر من أربعين عامًا في سنة 1975، فإن أثره ما زال قائمًا بيننا، ونستشهد بمبادراته وتطلعاته ومنجزاته، كما لو كان ما زال في سدة الحكم.
لقد كتب كثيرون عن حياة الملك الراحل، ومنهم الدكتور عبد الرحمن الشبيلي، في كتابه «فيصل بن عبد العزيز.. أميرًا وملكًا». بيد أن الدكتورة نورة استغلت هويتها كامرأة سعودية وأكاديمية في مقابلة ومحاورة أميرات وسيدات الأسرة المالكة، لتحصل منهن على الجوانب الشخصية والعائلية للملك الراحل، فخرجت لنا ببعض الوقائع المشوقة في موضوعها، من ذلك أن أبناء وبنات الملك لا يضعون رجلاً على رجل عند الجلوس، كما يفعل الآخرون، بل يضعون الأرجل مسترسلة جنبًا بجنب. كيف حصل ذلك؟ رووا لها أن أمهم، الملكة عفت، كانت تشد أرجلهم بالحبال في طفولتهم، بحيث أصبح ذلك عادة مستديمة فيهم.
والمعتاد حتى في العوائل الملكية الأوروبية أن يكون الزواج زواجًا سياسيًا، بحيث يصبح الملك والوزراء أصحاب الكلمة فيه. بيد أن فيصل بن عبد العزيز ترك الخيار في زواج الأمراء والأميرات في مطلق خيارهم، بحيث يتخذون القرار بأنفسهم دون أي تدخل منه.
ومن هذا الجانب أيضًا، نجد روح النكتة والظرف تتجلى في مواقف كثيرة من حياته. ورد من ذلك أن حاجًا باكستانيًا فقد شيئًا من متاعه الذي وضعه في طاسة كبيرة، فكتب خطابًا للملك يشكو ذلك، فعلق عليه الملك قائلاً: «ألم يعلم أن الطاسة ضايعة من زمان»!
واطلع مرة على تحرير أجراه أحد المحققين في قضية، ووجده الملك سقيمًا وضعيفًا، فكتب تعقيبًا عليه يقول: «يحقق مع المحقق»!
ورأى ابنه خالد، عندما كان رئيسًا لرعاية الشباب، وهو منهمك في قراءة إحدى الصحف اليومية، فقال له «هذه الصحف صفحتها الأولى لي، والداخلية لك».
وعرف عن المغفور له أنه كان يكره المديح، ولا يحب سماع الشعراء عندما يلقون قصيدة في مدحه، بيد أن أحد الشعراء تجاوز هذا الخط الأحمر، فألقى قصيدة في هذا السياق، وبالغ فيها. ثم وقف، وانتظر الجزاء من الملك. مرت دقائق والملك مطرق يفكر، ثم طلب منه أن ينصرف ويعود في اليوم التالي. فتصور الشاعر أنه موعد لتسلم الجائزة. حضر متلهفًا لها، فسلمه الملك ورقة لا شيء فيها غير أبيات من المديح لشخصه. ثم قال له: مدحتنا فمدحناك! وخرج المسكين قانطا.
ورغم إيجاز الكتاب، فقد أوردت الكاتبة الفاضلة كثيرًا من الحقائق التي تثير التفكير، ومنها قصة الملك مع التفاح. وهو الجزء الذي يختتم به طعامه. كان يمسك بالتفاحة ويضربها، فيتحقق من صلاحها. يضعها جانبًا، ويأخذ غيرها، إذا كان رنينها لا يعجبه. لا أدري كيف توصل لهذا الاختبار.