علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

مبعوثون.. وأزمات

ليس شيئًا يدعو للتفاؤل رؤية المبعوثين الدوليين وهم يتقاطرون على المنطقة لحل أزماتها، لأن وجودهم هو في حدّ ذاته إشارة إلى أن الأطراف المحلية غير قادرة على حل مشاكلها بنفسها، فلجأت إلى المجتمع الدولي للمساعدة، وبالتالي تم تدويل الأزمة.
حاليا هناك 4 مبعوثين أمميين للمنطقة، ثلاثة لأزمات وحروب ما بعد الربيع العربي في سوريا وليبيا واليمن، وواحد لا نسمع عنه كثيرا لأزمة قديمة من مخلفات فترة الاستعمار، وهي قضية الصحراء، وهذا العدد من المبعوثين لمنطقة واحدة يدل على حجم الأزمة والاضطراب، والفوضى الحادثة.
سوريا هي الأزمة الكبرى التي تعاني منها المنطقة، ويبدو أنه حتى القوى العظمى التي أصبحت طرفا، عاجزة عن رؤية طريق الحل، فتصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري، عن أن الحرب الأهلية هناك أصبحت في نواح عدة خارجة عن السيطرة، تدل على حالة يأس واستسلام لما يحدث على الأرض، والذي وصل إلى حالة وحشية ومروعة.
في اليمن الأزمة الأقل تدويلا بسبب إمساك الأطراف الإقليمية بها، وعلى رأسها السعودية لمنعها من الوصول إلى وضع خارج السيطرة، نجح المبعوث الدولي لليمن ولد الشيخ في جمع الأطراف المتصارعة في الكويت، ورغم خروقات الحوثيين ومناوراتهم، فإن هناك ما يدعو للاعتقاد بإمكانية الوصول إلى حل مستقبلي.
ليبيا قضية مختلفة، فليس هناك قتال أو حرب داخلية بالمعنى الحرفي، ولكن هناك محاولة لاستعادة الدولة هناك من الميليشيات والمسلحين، وإبعاد المتطرفين من أنصار «داعش» عن حقول النفط. هدف المجتمع الدولي هو وقف قوارب المهاجرين عبر البحر ومحاصرة الإرهاب خاصة تنظيم داعش.
الأزمات تغذي بعضها بعضا، والإرهاب أصبح عابرا للحدود، فـ«داعش» خرج من رحم بقايا البعث العراقي لينتقل لسوريا، ثم يحاول التمدد في ليبيا سعيا لتوفير الموارد المالية من تهريب النفط، والأزمات الداخلية تخلق حالة فوضى، مثلما حدث في البرلمان العراقي مؤخرا ودفع أحد البرلمانيين للتساؤل قائلا: هل تريدوننا مثل البرلمان الليبي الذي يجتمع في طبرق على بعد مئات الأميال من العاصمة، التي تحاول الحكومة التي أيّدها المجتمع الدولي، فرض سيطرتها عليها.
الكل مشترك في الهمّ، فإذا كانت الحكومة الليبية جاءت عبر البحر من تونس، فإن سياسيي العراق جاء معظمهم بالطائرات من أحياء غرب لندن، ولا نعرف من أي جهة ستأتي بقية الحكومات، وهو ما يدعونا إلى مناشدة الأطراف الدولية، حسم خياراتها وصراعاتها في المنطقة.
وقد ثبت أن أعقد الأزمات وأخطرها يمكن حلّها بالتفاوض المباشر، والجلوس وجهًا لوجه، مثلما فعل السادات مع إسرائيل بعد 4 حروب، فتوصل البلدان إلى اتفاق سلام لا يزال قائما، ويعدّ أحد مقومات النظام الإقليمي الحالي. ولو كان السادات اعتمد على مبعوثين دوليين، لظلت سيناء في يد إسرائيل حتى اليوم مثل الجولان.
سوريا هي مركز الأزمة حاليا، والوصول إلى حلّ فيها، من شأنه أن ينعكس على بؤر الالتهاب الأخرى مثل ليبيا، التي بدأ البعض يخشى أن يولد فيها شيء أسوأ من «داعش» الذي ورث «القاعدة»، واستفاد من بقايا وفلول النظام البعثي، وحلّ الأزمة يحتاج إلى الإرادة السياسية بين الطرفين الرئيسيين واشنطن وموسكو، أما القول بأنها غدت خارج السيطرة، فهو كلام غير مقنع. الطرفان الرئيسيان عليهما حلّ شبكة الخيوط المعقدة التي تجعل الأزمة صعبة، مثل التدخل الإيراني ومعه «حزب الله»، ثم معالجة الموضوع الكردي بحكمة، لفضّ الاشتباك مع تركيا في الأزمة. والطرفان يملكان الأدوات والقدرة على إعادة الوضع إلى نقطة تمهد إلى حل.