إميل أمين
كاتب مصري
TT

مصر تصنع تاريخها بالتضامن مع أشقائها

هل أضحت مصر دولة مستهدفة؟ من يريد حصار مصر وقطع الطريق على صحوتها القادمة؟ هل من له ثأر مع أرض الكنانة ويريد الانتقام؟
ليست هذه هي المرة الأولى التي تطمح فيها مصر للعلا.. حدث ذلك مع تجربة محمد علي في أوائل القرن التاسع عشر، ومرة أخرى مع أحمد عرابي، وانتهت تجربة جمال عبد الناصر فعليًا بهزيمة عام 1967.. التاريخ لا يعيد نفسه نعم.. لكن أحداثه تتشابه.
في الثلاثين من يونيو (حزيران) من عام 2013 كان المصريون يهبون في ثورة شعبوية ونخبوية ساندتها المؤسسة العريقة لمصر أي القوات المسلحة، وحدث أن أفسدت هذه الثورة خطوط وحظوظ استراتيجيات دولية تتصل بدول كبرى، لها أهداف لا تغيب عن أعين الناظرين، منها السيطرة على العالم لمائة عام قادمة، وتاليًا الاستدارة نحو آسيا، أما الشرق الأوسط فيتم تسليمه بالوكالة لقوى الاحتلال القديمة، عثمانية، فرنسية، إنجليزية، لا يهم.. المهم هو الخلاص من عبء الشرق الأوسط الذي تحكمت في مصائره الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 وحتى الساعة.
كيف يمكن للمصريين أن يتجرأوا على هذه الفعلة النكراء؟
خلف الباب تبقى عصا العقوبات رادعة ومشرعة في وجه مصر والمصريين، حتى وإن قالت الوفود الرسمية التي تزور القاهرة تباعًا كلامًا معسولاً، ذلك أن السم كثيرًا ما يتسرب إلى جزئيات العسل ذاته.
العقاب هذه المرة لن يكون عسكريًا كما في معارك محمد علي وصولاً إلى يونيو الحزين.. الحصار هذه المرة، ولو بشكل غير معلن هو أداة الانتقام من مصر والمصريين.. هل هي هواجس نظرية المؤامرة التي تحكم في تفكيرنا، أم طبيعة الحقائق على الأرض هي التي تقودنا إلى الإقرار بذلك، لا سيما في ضوء فهمنا لإشكالية «لعبة الشطرنج الإدراكية» من حولنا؟
تتصاعد آفاق التعاون بين موسكو والقاهرة بعد قطيعة طويلة.. وفجأة، وكأننا في مشهد رعب ضمن أحد أفلام هتشكوك، تسقط طائرة روسية بمن عليها من السياح الروس..
تبدأ شركة «إيني» الإيطالية في اكتشاف حقول الغاز المصرية العملاقة، فتتلقى العلاقة بين البلدين طعنة في القلب، عبر قصة جوليو ريجيني.
من الجنوب تبدو قصة سد النهضة، والذين يقفون وراء تمويل المشروع، ليمثلوا أفضل تحقق لنظرية «شد الأطراف» التي أرسى أسسها أول رئيس وزراء لإسرائيل ديفيد بن غوريون، ثم نستيقظ لنجد وكالة ائتمان الصادرات الإيطالية، توافق على دعم بناء سد «كويشا» الإثيوبي بهدف توليد كهرباء بطاقة تصل إلى 2000 ميغاوات.
تحارب مصر الإرهاب في سيناء، فتخرج واشنطن عليها بقرار سحب جنودها المشاركين في قوات حفظ السلام، إلى مكان أكثر أمنًا - على حد قولها - لها في جنوب سيناء والاستعانة بالطائرات دون طيار لمراقبة الحدود المصرية - الإسرائيلية، بما يعني هذا الحديث من مدلولات تقبل التفسير على أكثر من وجه، وحيث النيات واضحة ولا تخفى على أحد.
في وسط الحصار المصري الحالي، تمضي إسرائيل وبتمويل أميركي، من جديد، في الحديث عن قناة بديلة لقناة السويس، تصل البحر الأحمر بالمتوسط عن طريق البحر الميت.
والمثير للسخرية حتى الحزن، أن تعلن الصين عن دعوتها لإعادة مسار الممر الشمالي الغربي عبر القطب الشمالي لتقليل مدة الرحلات البحرية بين المحيطين الأطلسي والهادي، وهو اقتراح يعرف القاصي والداني تهافته وعدم جدواه عمليًا، وكأن المطلوب فقط هو إرهاق مصر نفسيًا.
من يرِد حصار مصر يحاول قطع الطريق على صحوتها القادمة، صناعيًا، وعسكريًا، وإنسانيًا، وعلى غير المصدق العودة إلى أحدث الوثائق والدراسات المستقبلية الأميركية السرية منها خاصة، التي تسربت بعض أخبارها، وتؤكد على أن مصر بحلول عام 2020 سوف تصبح من أكبر الدول المنتجة للغاز الطبيعي في المنطقة من حقولها الجديدة في البحر الأبيض، هذا الكنز الجديد سيمكن مصر من تغذية أوروبا بالغاز، عطفًا على تفعيله في استنهاض خطط التنمية البشرية في الداخل المصري من صناعة وزراعة وتجارة وحركة موانئ، والقضاء على البطالة، ومضاعفة الدخل القومي المصري، وبكل تأكيد وتحديد بلورة مصر كقوة عسكرية إقليمية خارج العباءة الأميركية.
في منتصف أبريل (نيسان) الحالي، كان وليم بيتري مدير الاستكشافات في شركة «إيني» ذاتها يعلن عن اكتشاف حقل غاز عملاق آخر في دلتا النيل وشرق البحر المتوسط «نورس»، وحال إضافة إنتاجه المتوقع إلى إنتاج حقل «ظهر» العملاق الذي سيبدأ في 2017، فإن تلك الحقول وعلى حد تعبيره «ستغير وضع مصر الاقتصادي وتجعلها مركزًا إقليميًا للطاقة».
تنكسر المؤامرة الخارجية علي صخرة قوة وتماسك النسيج الاجتماعي المصري الذي بات يرفض الحصار الخارجي عبر تقوية روابط الجبهة الداخلية وتمتينها.
الذين يريدون حصار مصر، يدركون جيدًا ما قاله مستشار الأمن القومي الأميركي السابق زيجينو بريجنسكي، عن عوامل القوة التي تمكن أي دولة من النهضة الحقيقية وهي بالترتيب:
القوة الاقتصادية، ومصر في الطريق إليها، قوة التماسك الاجتماعي، والمصريون حريصون عليه، قوة التلاقي على هدف محدد، وهو العودة لمصاف الدولة الفاعلة في المنطقة، وأخيرًا القوة المسلحة وإمكاناتها، والحال هنا يغني عن السؤال حول النهضة العسكرية المصرية في زمن الرئيس السيسي التي باتت تزعج الكثيرين.
رغم محاولات الحصار.. مصر تصنع تاريخها مباشرة عبر اليد الممدودة بالسلام للعالم، وبأفعال تضامنية مع أشقائها العرب.. ليفشل الحصار في الحال والاستقبال.