خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

النشالون أصناف

من المعتاد للسياح الغربيين أن يعودوا لديارهم مليئين بالشكاوى عما فقدوه وخسروه في بلداننا السياحية. هذا يشكو من نشل محفظة الفلوس من جيبه، وآخر من سرقة عفشه في الفندق أو كاميرته في الحديقة، وثالث تسمعه يتذمر من غدره وغشه في المساومة. لم يسلم الأدباء والفنانون من ذلك حتى سمعت عن الكاتب الفرنسي الشهير أندريه جيد - كما أتذكر - أنه خلال زيارته لأحد البلدان السياحية العربية حذر زملاءه الأدباء الذين يسافرون للمنطقة من عملية المساومة. قال إنه أجهد نفسه في هذا الفن الشرقي التقليدي؛ في مساومة أحد البائعين على إبريق نحاسي تقليدي أعجبه. استطاع أن يخفض الثمن المكتوب عليه (4 جنيهات) إلى النصف، وعاد إلى الفندق فرحًا بنجاحه، وعندما عرض الإبريق على زملائه راح يتباهى كيف ساوم وأنزل ثمنه إلى النصف، واشتراه بجنيهين فقط. ما إن قال ذلك حتى غص زملاؤه بالضحك عليه، وقالوا له: أوه! يا مغفل! هذا البائع قد سرقك في هذه الصفقة. فنحن اشترينا الإبريق نفسه من جاره بجنيه واحد فقط!
الشيء الذي لم يدركه الكاتب الفرنسي، إنما يشارك بمثل ذلك الأدباء والمفكرون والفنانون منا. حيثما وجدوا عملاً أدبيًا أو فنيًا ناجحًا، خطفوه وأعادوا اقتباسه لمحيطهم العربي، ووضعوا عليه أسماءهم وقبضوا الثمن من رؤساء التحرير أو منتجي الأفلام. الواقع أنني كنت قد أعجبت بكثير من الأعمال الأدبية والفنية للكتّاب والفنانين العرب في أيام شبابي، حتى تعلمت اللغة الإنجليزية، وإذا بي أجد أن جل تلك الأعمال التي هزت مشاعري، قد سُرقت من الأدب الغربي. ولهذا أعتقد أن على نقابات الفنانين في الغرب أن تحذر أعضاءها عند سفرهم للشرق بالاحتراس على إنتاجهم.
مثلما يجدر بهم عدم حمل جواهر ثمينة أو ساعات «رولكس» نفيسة، يتعين عليهم ألا يأخذوا إنتاجهم معهم، وألا يتحدثوا عنه. بل أعتقد أن على السلطات المسؤولة أن تعلق يافطات في كل المطارات: «احذر من الأدباء النشالين!». كما يجدر بأصحاب الفنادق أن يعلقوا بطاقات تقول: «إدارة الفندق لا تتحمل أي مسؤولية عن ضياع أي فكرة أو نشل أي عمل أدبي أو فني».
ويظهر أن الغربيين قد فطنوا إلى هذا الخطر. فقبل آونة قصيرة بعثت إليّ مؤسسة أبحاث اللاعنف الأميركية بوثيقة تطلب مني التوقيع عليها، بحيث أتعهد بأن جميع ما ورد في الدراسة التي قدمتها لها وستقوم بنشرها هو من تأليفي، ولم أسرق أي شيء فيها من أي أحد. وقّعت على الورقة مرغمًا وأنا أتساءل: لو أنني كنت أميركيًا أو إنجليزيًا، أتراهم كانوا سيطالبونني بمثل هذا التعهد المستقل؟ نعم، وقعت على الورقة وأنا أبتهل إلى الله عز وجل ألا أكون قد سرقت بالفعل شيئًا منها في غفلة مني، فالسرقات الأدبية أصبحت مألوفة جدًا بيننا، بحيث أصبحنا نقترفها بصورة طبيعية تمامًا، دون أن نلاحظ ما فعلناه، تمامًا مثلما يفعل البعض منا في عالمنا العربي، عندما يسرقون خزانة الدولة على راحتهم.
والآن يساورني الخوف. ضمنت لهم أنني لم أسرق شيئًا في كتابي. ولكن من سيضمن لي ألا يسرق أحد من الزملاء شيئًا منه؟