عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

ماذا يريد أوباما من الخليج؟

في كل ما كتب وقيل بشأن زيارة باراك أوباما للسعودية ومباحثاته مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، كان هناك اتفاق على أن الرئيس الأميركي يسعى لتهدئة الخواطر وإصلاح العلاقات التي ساءت كثيرًا، لكي لا نقول تأزمت. لكن هل تكفي هذه الزيارة القصيرة لإزالة كل ما علق بالعلاقات خلال الفترة الماضية؟
الواقع أنه من الصعب تخيل أن الزيارة ستحقق اختراقات حقيقية على صعيد استعادة الثقة في العلاقات التي ظلت راسخة لعقود طويلة، قبل أن تهتز في عهد أوباما خصوصًا خلال ولايته الثانية. فحجم الإحباطات في المنطقة من سياساته كبير بحجم الآمال والتوقعات التي كانت منتظرة منه، بعد خطابه الشهير للعالم العربي من القاهرة في مستهل رئاسته. كما أن أوباما يأتي إلى المنطقة هذه المرة وهو «بطة عرجاء» أو ضعيفة حسب التعبيرات الغربية لتوصيف وضع الرئيس في الأشهر القليلة التي تسبق الانتخابات، خصوصا مع قرب انتهاء ولايته الثانية التي لا ترشح بعدها. لذلك فإن كل ما سيقوله لن يحمل الوزن المعتاد في نظر الدول التي سيزورها عمومًا خلال هذه الجولة، وفي نظر الدول المعنية في المحطة الخليجية منها.
الأهم من ذلك أن الدول الخليجية وكثيرا من الدول العربية تشعر بأن إدارة أوباما أدارت ظهرها للمنطقة، وأنها أظهرت ميلاً للتخلي عن حلفائها، وسعت لتحالفات جديدة من دون مراعاة لتحفظات أو قلق أصدقائها. فالسياسات الأميركية في عهد إدارة أوباما شابها التردد أحيانًا، والاضطراب أحيانًا أخرى سواء كان ذلك إزاء الربيع العربي ومخلفاته، أو إزاء الأزمات وتوابعها مثل الأزمة السورية أو الليبية أو حتى الأزمة المستمرة في العراق، ناهيك عن سياسة رفع اليد عن القضية الفلسطينية.
بالنسبة لدول الخليج كان الاتفاق النووي الإيراني نقطة تحول كبرى في العلاقات مع الإدارة الأميركية، خصوصًا أن أوباما مضى فيه غير آبه بأي تحفظات نقلت إليه، ومن دون مراعاة للمخاوف في الوقت الذي كانت المنطقة وما زالت تشهد استقطابًا غير مسبوق، وصراعًا إقليميًا حادًا، تحول إلى حرب بالوكالة على عدة جبهات. التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأميركي في عدة مناسبات لم تساعد أيضًا في تهدئة الأمور، بل زادت في المخاوف والشكوك من توجهات إدارته إزاء المنطقة وأزماتها. فدعوته مثلاً للسعودية وإيران للتعايش وتقاسم النفوذ في المنطقة، فسرت على أنها تأكيد لسياسته في تبني «الحياد» ورغبته في الانسحاب من مشاكل المنطقة. كما أن حديثه عن «ركاب المجاني» أثار غضبًا واستياء واضحين، وألقى بظلال سلبية على زيارته الراهنة باعتباره لا يعكس ما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الحلفاء والأصدقاء.
البيت الأبيض ربما رأى في لقاءات الرياض فرصة لأوباما يعرض فيها رؤاه على قادة الخليج، محاولا تقديم تطمينات كافية، مع السعي أيضًا لتخفيف وقع تصريحاته الأخيرة. لكن التوقعات تبقى محدودة في أن زيارة ساعات قليلة ستنجح في استعادة الثقة التي اهتزت كثيرًا خلال السنوات الماضية، أو في إزالة الشكوك إزاء سياساته خصوصًا في هذا الوقت المتأخر من عمر إدارته. فكل كلام أوباما خلال هذه الزيارة لن يغير من حقيقة أن إدارته حاولت النأي بقدر ما أمكنها عن أزمات المنطقة، وقضت فترة طويلة وهي تبعث برسائل مؤداها أنها «تعبت» من أزمات المنطقة ومشاكلها، وأنها لا تريد القتال عن العرب في كل أزمة، وأنها لن تتدخل إلا إذا كانت مصالحها مهددة. كما أن الإدارة أعادت ترتيب سياساتها في إطار عقيدة عسكرية جديدة تولي اهتمامًا أكبر لشرق آسيا، وعينها في ذلك على الصين التي يزداد نفوذها وتكبر طموحاتها مع النمو في قدراتها العسكرية والاقتصادية. هناك أيضًا القلق المتنامي من كوريا الشمالية ومن زعيمها المشاغب الذي يستمر في إطلاق التهديدات، وتجارب الصواريخ، والتلويح بقدراته النووية.
دول الخليج تدرك بلا شك أهمية العلاقات مع واشنطن، وتعي أن هناك مصالح مشتركة كثيرة رغم الخلافات والتباينات، لذلك تسمع من أوباما «توضيحاته» وتطميناته، كما تسمعه انتقاداتها وتحفظاتها. لكنها بعد البيانات والتصريحات الختامية، ستبقى في انتظار ما ستتمخض عنه انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل لمعرفة إلى أين ستتجه العلاقات من هنا. فبغض النظر عن الموقف من إدارة أوباما، أو عن من سيفوز في الانتخابات المقبلة، فإن دول المنطقة، أدركت أن عليها أن تبحث عن توازن في مصالحها وتنويع في علاقاتها، مع إعادة بناء تحالفاتها. فأولويات أميركا في المنطقة حتى وإن تغيرت مع الرئيس المقبل فإنها ربما لن تعود كما كانت. كما أن التحديات في المنطقة تكبر وتزداد، مع الحروب المستمرة، والشد والجذب مع إيران، وشبح الإرهاب الذي يأبى أن يموت، وتذبذب أسواق النفط مع تنامي الضغوط الاقتصادية.