عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

ما الذي يصنع «عقلية» الإرهابي؟

بعد العملية الإرهابية الشنيعة التي استهدفت فيها طالبان الباكستانية، يوم الأحد الماضي، حديقة عامة في لاهور، بعملية انتحارية أودت بحياة 69 شخصا، وجرح نحو 300. تعهد رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف بأنه لن يكتفي بهزيمة إرهابيي طالبان فحسب، بل سيهزم ويجتث كذلك «عقلية التطرف».
لكن ما هي العقلية التي تصنع المتطرف والإرهابي؟ وكيف يمكن تحديد الشخص الذي يصنف كإرهابي محتمل، أو كإنسان يمكن أن ينجرف في التطرف؟
مثل هذه الأسئلة أصبحت الشغل الشاغل للأجهزة الأمنية، وللباحثين المهتمين بظاهرة الإرهاب، التي تقض مضاجع العالم منذ أمد طويل، ولكن بوجه خاص منذ تسعينات القرن الماضي، وبشكل أشد منذ هجمات سبتمبر (أيلول) 2001 على أميركا. وعلى الرغم من كل البحوث والكتب التي نشرت، والندوات وحلقات العصف الفكري التي عقدت، والأموال الطائلة التي أنفقت، ما يزال العالم حائرا حول وضع التصنيفات الدقيقة للإرهابي المحتمل بهدف الوقاية المبكرة من جنون الإرهابيين، وهجماتهم التي تستهدف في الغالب المدنيين الأبرياء والمواقع التي تصعب حمايتها. الحقيقة هي أنه لا يمكن رسم صورة دقيقة لمن يمكن أن يصبح إرهابيا، أو تحديد قائمة موحدة وجازمة بالعوامل التي تصنع «عقلية الإرهابي أو المتطرف». هناك عوامل كثيرة ومختلفة قد تدخل كلها أو بعضها في تكوين ذهنية الإرهابي، لكنها لا تعطي دليلا نهائيا يقود إلى الإرهابيين المحتملين.
هل الإرهابي شخص يائس محبط، أم هو إنسان باحث عن مغامرة وهدف؟ هل هو شخص ضائع محدود التعليم، محروم وفقير، أم إنسان مختل التفكير يسهل تجنيده والتغرير به، بأفلام قطع الرؤوس ومشاهد التدريب على السلاح والقتال، وفتاوى «جهاد النكاح» واستباحة السبايا؟ هل «الجهادي» المزعوم شخص متدين وعميق الفهم في شؤون الدين، أم أنه إنسان مغرر به انجذب بشعارات المتطرفين، وبأفكار شيوخ الإرهاب، من دون القدرة على طرح أسئلة صعبة عن التناقض بين فكر التطرف، وسماحة الدين وتعاليمه في الوسطية والاعتدال؟
خلال مشاركته في مؤتمر عن التشغيل في تونس هذا الأسبوع، قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن الشباب العاطل عرضة للتطرف، وهي قضية تناولها كثير من الساسة والباحثين قبل ذلك. فتونس مثلا التي يقدر عدد العاطلين عن العمل فيها بنحو 700 ألف شخص، منهم نسبة كبيرة من الشباب، أصبحت ظاهرة محيرة نظرا للعدد الكبير من الإرهابيين والمقاتلين في صفوف «داعش» و«القاعدة» الذين يتحدرون منها. مصدر الحيرة أن تونس بلد متفتح، وأن هناك دولا أكثر فقرا وفيها بطالة أعلى، لكنها لم تصدر أعدادا مماثلة من الدواعش. صحيح أن الفقر والبطالة يمكن أن يقودا بعض الشباب إلى الانحراف، بما في ذلك الالتحاق بتنظيمات التطرف والإرهاب، لكن في المقابل هناك نسبة كبيرة من الإرهابيين الذين ينتمون إلى أسر من الطبقة الوسطى، وبعضهم ترك حياة رغيدة أو هجر وظيفة وعملا، ليتوجه للقتال في صفوف «داعش» أو «القاعدة» أو غيرهما.
في أميركا اعتقلت السلطات الشهر الماضي، امرأة من ميسوري اسمها صفية ياسين، بتهمة الترويج لدعايات «الدولة الإسلامية» المزعومة، وتهديد حياة رجال أمن بنشر صورهم تحت عبارة «مطلوبين للقتل». بعض أصدقاء وأقارب صفية، وهي أم لطفلين مولودة في كاليفورنيا لأم أميركية، وأب فلسطيني الأصل، انبروا للدفاع عنها، وقالوا: إنها أبعد ما تكون عن «داعش» وأفكاره ولمحت إحدى قريباتها إلى أنها تعتنق المسيحية، بينما قال جيرانها إنهم لم يلحظوا شيئا مثيرا للريبة عنها، مشيرين إلى أنها كانت منطوية على نفسها، وكانت تنشط في تسليط الضوء على مرض التوحد.
القضية أثارت تساؤلات حول ما إذا كانت صفية امرأة تعاني من الوحدة، وتبحث عن الاهتمام بأي شكل، أم أنها متطرفة انجرفت وراء أفكار «داعش» وأصبحت خطرا محتملا. ومرة أخرى تحدث الناس عن صعوبة كيفية الكشف المبكر عمن يملك قابلية للتحول إلى متطرف، أو للانبهار بدعايات المتطرفين.
بعد هجمات باريس وبروكسل، أثيرت أيضا أسئلة حول فشل السلطات في الرصد المبكر للمنفذين والمخططين، الذين قيل إنهم لم يكونوا لفترة طويلة ضمن قوائم المشتبه بهم، لأن خلفيتهم لا توحي بأنهم يمكن أن يصبحوا متطرفين وإرهابيين. فعدد منهم لديهم سجل إجرامي من تعاطي المخدرات والاتجار بها إلى السرقة، ولذلك لم يثيروا انتباه السلطات الأمنية التي كانت تركز على مواصفات أخرى للإرهابي المحتمل.
الإرهاب قضية شائكة معالجتها، تحتاج إلى أكثر من تحديد مواصفات المتطرف المحتمل. فهناك اتفاق على أهمية ضرب بؤر الإرهابيين وتدمير خلاياهم، مثلما أن هناك ضرورة لمواجهة شيوخ التطرف ومحاربة الفكر الذي يغذي الإرهاب. لكن هذا لن يغني عن التصدي للأسباب الأخرى الاجتماعية والاقتصادية، والإقرار بأن هناك سياسات تسهم في بقاء أو خلق مشاعر الغبن، وبؤر التوتر والمظالم التي تغذي التطرف ويستغلها شيوخ الإرهاب.