سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

نظرة الروس إلى آدابهم

لعل الكنوز الأدبية الروسية هي الأغنى في العالم، كما يرى الحماسيون. ولكن هل يعقل أن يكون كنز أدبي هو الأهم، حتى لو كان خاليًا من هوميروس وشكسبير وغوته؟ قرأت في «موسكو تايمس» استفتاء بين الروس حول الأدباء الأكثر شعبية. وكان في اعتقادي أن الأكثرية سوف تقترع للشاعر الكسندر بوشكين والروائي فيودور دوستويفسكي. أخطأت. تقدم الكونت ليو تولستوي لائحة العشرة الأوائل بـ45 في المائة يليه دوستويفسكي بـ23 في المائة، ثم تشيخوف بـ18 في المائة، وحل بوشكين رابعًا بـ15 في المائة، ثم غوغول بـ13 في المائة، وميخائيل شولوخوف بـ12 في المائة، وبولكاغوف بـ11 في المائة، وتورجنيف بـ9 في المائة، وماكسيم غوركي 7 في المائة، ولير منتوف بـ6 في المائة.
مفاجأة؟ تقريبًا، لا. الروس يعرفون آدابهم ويتفاعلون معها أكثر من أي شعب آخر. لكنني أعتقد أنه لو أجري الاستفتاء في فرنسا، أو بريطانيا، أو ألمانيا، لكان حل دوستويفسكي في المرتبة الأولى، متقدمًا تولستوي بالنسبة نفسها.
لا تشرح «موسكو تايمس» الأسباب على الإطلاق. ولا تلحظ مثلاً أن ميخائيل شولوخوف (هادئا يمر الدون) عندما أُعطي نوبل الآداب قيل إن السبب هو مسايرة الاتحاد السوفياتي. في حين لا يرد في اللائحة، تحت أي نسبة، اثنان من حملة نوبل المعاديان للسوفيات، أي بوريس باسترناك (دكتور جيفاغو)، وألكسندر سولجنتسين أشهر المنشقين على الاتحاد السوفياتي في القرن الماضي.
يقال في امتداح كبار الروس إنهم لم يتركوا حالة من حالات النفس البشرية إلا وغاصوا فيها: البؤس والسعادة والجنون والتمرد و«الحرب والسلم» كما في رواية تولستوي الشهيرة. وقد كان القرن التاسع عشر أخصب المراحل الأدبية، ولا يزال كباره الأكثر حضورًا في العالم، وليس فقط في الاتحاد الروسي. وساعدت السينما الأميركية إلى حد بعيد في نشر الأدب الروسي. والمفارقة أن كبار الروس تأثروا، أعمق ما تأثروا، بالأدب الفرنسي وتعلموا منه، لكنهم تجاوزوه إلى إنشاء تراث أدبي لا يجارى.