خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

محنة نقل الحكم

في دولنا العربية الثورية ذات النظام الجمهوري ينتقل الحكم بالانقلاب والثورات أو كما في دول الربيع العربي بالانتفاض والمظاهرات. وفي كل الأحوال، هي محنة كما لاحظنا. ولكن للغربيين أيضًا محنتهم. حدث ذلك عندما أجريت عملية بروستاتا لهارولد مكملان، رئيس حكومة المحافظين في الستينات. شعر بوطأة المرض ففكر في الاستقالة. ولكن لمن ينقل الحكم؟ استدعى زعماء حزبه لاستشارتهم. اجتمع بهم في غرفة استراحة الممرضات لتتسع لهم جميعًا. أفادوه بأن الرأي منقسم بين بتلر وهيلشام. ولكن مكملان توجس خطرًا في أي منهما. فاستدعى المارشال مونتغومري، بطل العلمين. سأله في الموضوع. فأجابه أتريد أحسن رئيس حكومة، أم أضمن زعيم يفوز لك بالانتخابات؟
أجابه مكملان: أريد رجلاً يحقق الاثنين معًا. فقال له: لن تحصل على ذلك في عالم السياسة. يعطيك اللورد هيوم أحسن رئيس حكومة ولكن هيلشام يضمن لحزبك الفوز في الانتخابات. في اليوم التالي زارته الملكة إليزابيث في المستشفى. فوضع في يدها وريقة صغيرة تحمل كلمتين فقط: إليك هيوم. بيد أن اللورد إليك هيوم لم يكن متحمسًا للمنصب. قبله على مضض. فبعد تنحيه عنه كتب في مذكراته «حيث تهب الريح - سيرة ذاتية»: «لا أستطيع أن أخفي قرفي من الفكرة بأن على الزعيم السياسي أن يكون ممثلاً سينمائيًا أيضًا. مررت عام 1963 بهذه التجربة عندما جاءوا بي ليعملوا لي الماكياج لمقابلة تلفزيونية. جرى حديث بيني وبين الفتاة المكلفة الماكياج. وضعت البودرة واللون الوردي على وجهي. قلت لها: بإمكانك أن تظهريني بغير المنظر الذي اعتاده الناس مني على الشاشة. أجابتني قائلة: كلا هذا غير ممكن. قلت لها: لماذا: قالت إن لديك رأسا يشبه الجمجمة! قلت لها: ولكن ألا يحمل كل إنسان رأسا يشبه الجمجمة؟ قالت لا. وهكذا انتهى الأمر».
كان اللورد هيوم من مدرسة السياسة البريطانية الكلاسيكية. فلم تنفع كل ما بذلته عاملة الماكياج في ضمان فوز اللورد هيوم في الانتخابات. فتغلب عليه الحزب المعارض. وكانت البداية لاستعارة الأسلوب الأميركي في السياسة إلى بريطانيا، النجاح لا يتوقف على برنامج الحزب، ولا على ذكاء الزعيم المرشح للانتخابات وثقافته أو إخلاصه لمتطلبات شعبه. إنه يتوقف في براعة عاملة الماكياج في إعطائه الصورة التي تبهر جمهور الناخبين في حملة الانتخابات. وكان مستر توني بلير من أول من فطنوا لهذه الفكرة فاستورد من أميركا فكرة الماكياج الذي ضمن له الفوز في إقناع البرلمان البريطاني بغزو العراق، ضمن العفش الأميركي الذي جاء بها لبريطانيا.
يخطر في بالي والحالة هذه، أن تجري الانتخابات في البلاد الديمقراطية على كفاءات عاملة الماكياج. أي حزب تعمل له أحسن كوافير. من يدري، ربما سيحصل ذلك فعلاً لأجيال الناخبين في المستقبل، ولكن هات يا سيدي من يقنع الناخبين العراقيين وأحزابهم السياسية بذلك. الانتخابات بالماكياج أفضل في رأيي الخاص من الانتخابات بالرشاوى والولائم.