خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

صبية ليست ككل الصبايا

نادية مراد صبية إيزيدية في الواحدة والعشرين من عمرها. كانت واحدة من 150 فتاة خطفهن عناصر تنظيم داعش وأذلوهن واغتصبوهن وتاجروا بهن كسبايا لكل من يدفع. بيد أنها تميزت عن أخواتها بقوة إرادتها وعزيمتها وذكائها. هذه الصبية ذات الوجه المشرق الجميل اغتصبت مرات كثيرة من قبل هؤلاء الوحوش الذين يدعون الدين ويتكلمون باسم الإسلام. أمروها بالوقوف ليتفرج عليها الراغبون في شرائها. هل بعد هذا من شذوذ؟! تداولت بينهم من شخص إلى شخص لنحو 150 يومًا. ويمكننا أن نتصور بعض ما مرت به من ويلات وإهانات خلال كل ذلك. استطاعت في الأخير أن تهرب من قبضتهم وتجتاز الحدود إلى تركيا في عملية بطولية أسطورية جديرة بالتسجيل في فيلم سينمائي وثائقي. عقدت العزم على تحويل قصتها إلى حملة سياسية من أجل ملتها. واصلت السير إلى أوروبا وراحت تعرض في طريقها قضيتها كجزء من قضية شعبها ومصيرهم ومعاناتهم.
تبنت قضيتها جمعيات حقوق الإنسان والمؤسسات الإنسانية والخيرية الأخرى في العالم. ولحسن الحظ أنها كانت على درجة جيدة من الذكاء والموهبة والقدرة على التكلم باللغة الإنجليزية بفصاحة وبلاغة كافيتين. إنها حقًا مفخرة لا للإيزيديين فقط بل لبلدها العراق ككل أيضًا. دأبت المنظمات الإنسانية على دعوتها في أوروبا وأميركا لتتحدث إليهم وتروي حكايتها وحكاية شعبها وتكشف ما تقوم به «داعش» من ضلالات ومظالم. قدموها لمجلس الأمن حيث استمعوا لقصتها. وكيف اغتالوا إخوتها الستة في حمام من الدم. وكانت رواية جعلت بعض أعضاء المجلس يستغرقون في البكاء. أهابت بهم وناشدتهم القضاء على «داعش» وتنظيف المنطقة من قاذوراتها. وقد دعاها مجلس النقابات البريطانية للتحدث إليهم وإلى الجمهور البريطاني في مبنى المجلس في لندن، حيث استقبلوها بتصفيق شديد وهتفوا باسمها واسم شعبها.
ما لبثت حتى طرحوا اسمها في السويد لنيل جائزة نوبل العالمية. وقد وافقت إدارة الجائزة حتى الآن على ترشيحها. ولا أشك في جدارة هذا الترشيح حاليًا لهذه الجائزة. وكلي أمل في أن تحظى بها لتكون مثالاً للوقوف ضد الظلم وضد الاستخفاف بحقوق المرأة وكرامتها. وما زالت برقيات وإيميلات التأييد لها تتوالى على مركز مؤسسة نوبل العالمية.
تأملت في الموضوع فقلت لا حول ولا قوة إلا بالله. أن تكون من مهازل زماننا ومصائب قومنا وشعوبنا أن تصبح هذه الصبية المعذبة الفائزة الوحيدة من نسائنا في شرف الحصول على جائزة نوبل. الآخرون ينالونها لقاء منجزاتهم الأدبية والعلمية والسياسية ونساؤنا ينلنها نتيجة عذابهن وإهانتهن وامتهان كرامتهن. ومرة ثانية لا أملك غير أن أعود فأردد لا حول ولا قوة إلا بالله.