نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

الكاوبوي الروسي والدب الأميركي

في زمن الحرب الباردة، التي تستأنف في القرن الحادي والعشرين بصورة مختلفة، أطلق المراقبون لمجريات الحرب وصفًا مبسطًا وبليغًا للأقطاب، فالأميركي وصف بالكاوبوي، الذي ما إن يرى هدفًا حتى يلتقط مسدسه ويطلق النار على الفور وغالبًا ما يصيب، أمّا السوفياتي فقد وصف بالدب، الذي يتسم بثقل الوزن وبطء الحركة.
وهذا التوصيف المختصر لقطبي الحرب الباردة سقط من التداول بسقوط الاتحاد السوفياتي كقوة كونية منافسة ما فرض على الدب الانكماش داخل غابته الخاصة، وكاد يصبح لقمة سائغة لدى الصيادين. ويبدو أن تبادلاً للأوصاف تم منذ أن استعاد الدب السوفياتي قوته وشرع في تكوين قوته الجديدة بخطط جديدة وتحت اسم جديد.
لم يعد دبًا ثقيل الحركة والإيقاع، ولقد مارس طريقة الكاوبوي السريعة في جورجيا وأوكرانيا ثم أخيرًا وليس آخرًا في سوريا، لقد اختطف طريقة الخصم التاريخي في العمل، وها هو يؤديها بإتقان وفاعلية لا ينكرها الصديق ولا العدو.
والمفارقة الظاهرة أن الأميركي استهوى تقمص شخصية وإيقاع الدب السوفياتي، فصار، وخصوصًا في عهد أوباما، بطيئًا في المبادرة والحركة، ونفّذ طباع الدببة، بحيث صار يقتل أصحابه.
وبفعل هذا التبدّل في الخصائص بين قطبي الحرب الباردة، أصيب العالم كله بحالة من القلق والضبابية وانعدام الرؤية، وصارت مبادرات الكاوبوي السريعة كما لو أنها فيلم قديم أُلغي عرضه وتوقف إنتاج مثله، وصار حلفاء أميركا، الذين يعدون بأضعاف مضاعفة قياسًا بحلفاء روسيا، يواجهون لغزًا يكبل الأيدي والأرجل، من خلال سؤال بلا جواب مطروح على طاولات صنع القرار عند الحلفاء، فما الموقف الأميركي مثلاً من التوغل الروسي في سوريا؟.. لا جواب.
وما القرار الأميركي بالدخول إلى البر.. لا جواب. ومتى تتوقف الطائرات الأميركية عن التحليق فوق الهدف دون قصف.. لا جواب.
من المفترض أن تكون أميركا وفق تسميتها الحالية قائدة تحالف طويل عريض أُسس للقضاء على «داعش»، ومنطقيًا لا بد أن تكون أميركا مالكة لأفق المعركة وتطوراتها المحسوبة، فذلك كان يحدث في كل معركة أميركية، سواء كانت على حق أم على باطل، أما الذي يحدث الآن فهو لغز من كل الجوانب، يربك الحلفاء ويغطي أعينهم ويفتح الأبواب على مصاريعها للطرف المقابل كي يفعل ما يشاء من دون معوقات تذكر.
إلى أين تصل لعبة التبادل بين قطبي الماضي والحاضر؟ فهذا أيضًا لغز لم تفك رموزه بعد، إلا أن الخطر الذي تنطوي عليه هذه اللعبة ربما يكون مصيريًا لمنطقة الشرق الأوسط بأسرها، خصوصًا حين نصحو ذات يوم لنرى دولاً وكيانات ومجتمعات قد اختفت ليحل محلها واقع جديد وتكون سايكس بيكو القديمة مجرد أمر طفيف بالقياس لفداحة ما سيقع.