نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

وقف التنسيق الأمني بين الشعار والتطبيق

لو أُجري استطلاع مهني للرأي وكان السؤال.. هل توافق على التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل؟ أو هل تتفهمه؟ فسوف تكون النتيجة حتمًا تسعين في المائة لا يوافقون ولا يتفهمون، والعشرة في المائة المتبقية لا رأي لهم، وهذه النتيجة تبدو منطقية تمامًا، ذلك أن عبارة التنسيق الأمني كانت على مدى عمر السلطة الوطنية المديد بمثابة التفسير الجاهز لكل ما ألمَّ بالفلسطينيين من فواجع ونكبات، وذلك بفعل التعبئة السياسية التي أفرزها الانقسام الفلسطيني حول أوسلو، فكانت إدانة التنسيق الأمني هي السلاح الأمضى بيد معارضي أوسلو بما في ذلك أولئك الذين يستفيدون من أوسلو وظيفيًا ويعارضونها لفظيًا. وبقدر ما أحسنت معارضة أوسلو استخدام هذه العبارة لإضعاف السلطة وإبعاد الجماهير الفلسطينية عنها، بقدر ما أساءت السلطة ذاتها تفسير التنسيق الأمني وتقديمه على حقيقته للجمهور الفلسطيني، مما راكم موقفًا شعبيًا عريضًا اعتبر عبارة «لا للتنسيق الأمني» شعارًا لمرحلة أوسلو بكل ما لها وعليها.
ولأن الطبقة السياسية الفلسطينية تعشق ممالأة الغرائز الشعبية، وتتسابق فصائلها وقواها على تبني الشعارات السائدة فقد صفقت وقوفًا في المجلس المركزي في آخر اجتماع له عقد قبل أشهر، تليت فيه عبارة «وقد قرر المجلس وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل»، وشوهد بعض قادة الفصائل يعانق البعض الآخر ابتهاجًا بالقرار التاريخي، ومنذ تلك الجلسة فإن الذي توقف حقًا ليس التنسيق الأمني مع إسرائيل، بل المجلس المركزي ذاته، الذي لم يدعُ بعد ذلك القرار إلى اجتماع، وحتى أعضاء اللجنة التنفيذية المنوط بهم تنفيذ قرارات المجلس، تغاضوا عن مسؤوليتهم الفعلية رافعين شعارًا فيه من التحايل أكثر بكثير مما فيه من المصداقية، فكان شعارهم العملي أن الأمر بحاجة إلى وقت وترتيبات كثيرة كي نضع قرار المجلس المركزي موضع التطبيق.
ولو أن السلطة منذ بداية عملية أوسلو وضعت النقاط على الحروف وقالت للشعب الفلسطيني بصريح العبارة، إن التنسيق الأمني مع إسرائيل هو حجر الزاوية لبناء أوسلو بإجماله، وإن إلغاءه فعلاً وبقرار سياسي صريح لا يعني فقط تجميد الجانب الأمني من الاتفاق، ذلك أن إسرائيل تمتلك القدرة على العبث بكل ما بني على اتفاق أوسلو، وإغلاق الكثير من النوافذ التي يتنفس منها الفلسطينيون، وقد فعلتها جرّاء أمور أقل شأنًا من إلغاء التنسيق الأمني، فكيف سيكون الحال لو لم تعتبر السلطة الوطنية قرار المجلس المركزي كتوصيات أولية ولو لم ترسل رسائل مباشرة إلى الأميركيين والإسرائيليين مفادها أن السلطة لم تلغِ فعلاً التنسيق الأمني مع إسرائيل؟
كان ممكنًا للسلطة أن تتفادى الحرج الناجم عن عدم تلبيتها للشعار الشعبي، لو أنها قدمت معلومات مجردة على هيئة كشف حساب يحدد ما تراه مزايا للتنسيق الأمني ودرجة ارتباط هذا التنسيق بمجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والإدارية والأمنية الفلسطينية؛ ذلك أن المعلومات الصحيحة حتى لو كانت ذات مذاق مر عند الجمهور إلا أن أذاها والحالة هذه سيكون أقل بكثير من التناقض الظاهر بين تفهم وتبني الشعار السائد حول هذا الأمر بالذات، وفي الوقت نفسه ممارسة العكس على أرض الواقع، ولو صدق ما نقل عن مدير المخابرات الفلسطينية من تصريحات حول هذه النقطة، فقد يكون هو أول من وضع النقاط على الحروف بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه.
إن خلاصة ما قاله مدير المخابرات الفلسطينية في هذا الشأن تعني أن التنسيق الأمني ضرورة للفلسطينيين وعلى المستوى القيادي أن يوفر الغلاف السياسي للتنسيق الأمني عبر مفاوضات فعّالة تحدث التوازن بين كل عناصر ومقومات العملية السياسية مع إسرائيل.
فهل لدى المستوى السياسي ما يوفر هذا التوازن؟