محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

عن سبيلبرغ

في عام 1980 قصد المخرج الشاب وغير المعروف كثيرًا آنذاك ستيفن سبيلبرغ المنتج الذائع ألبرت بروكولي مقترحًا عليه إخراج واحد من أفلام سلسلة جيمس بوند. جواب بروكولي الذي كان في ذلك الوقت مشغولا بالتحضير لتصوير الفيلم الثاني عشر من السلسلة (وهو «لأجل عينيك فقط») صرفه واقتراحه بأدب.
«نتيجة ذلك»، يقول سبيلبرغ اليوم: «لم أطرح الفكرة مطلقًا بعد ذلك الحين وابتدعت مسلسلي الخاص».
هذا المسلسل الخاص كان «غزاة تابوت العهد المفقود» الذي خرج سنة 1981 كبداية لسلسلة إنديانا جونز التي شملت أربعة أفلام، وهناك فكرة العودة إليها في فيلم خامس محشور ضمن عشرات المشاريع التي تلعب في رأس المخرج ليل نهار.
قابلت ستيفن سبيلبرغ خمس مرّات حتى الآن، ضمن مقابلات «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب»، أولها سنة 1998 عندما أخرج «إنقاذ المجنّد رايان» وآخرها بمناسبة «جسر من الجواسيس» قبل نحو شهرين. وهو شخصية دمثة يقترح عليك إلمامه الشامل بكل ما هو سينما. وهو لا يدّعي، كما قال أحد نقاد زمان، أنه يستطيع تحويل «دليل الهاتف إلى مشروع فيلم ناجح». ذلك لأن لديه نصيبًا، ولو ضئيلاً، من الفشل التجاري: سنة 1979 عبر فيلم «1941» (ربما وقف ذلك الفشل عائقًا ضد قبول قيامه بإخراج حلقة جيمس بوندية)، وسنة 1985 عبر «اللون بنفسجي»، و1991 من خلال «هوك»، وسواها. هذه الأفلام تحديدًا فشلت أيضًا نقديًا. لكن ما ينظر إلى المرء في تاريخ فنان ما، ليس النصف الفارغ من الكوب بل النصف الملآن، وبالنسبة إلى سبيلبرغ هو أكثر من النصف فعلاً.
ولأن أي فنان موهوب لا يمكن له إلا أن يستمد استيحاءاته من معين السينما ذاتها، وله بعد ذلك أن يطوّرها أو يضيف إليها حسبما يستطيع، فإن سبيلبرغ يستفيد ممن سبقوه من كبار المخرجين. على سبيل المثال، هناك لقطة تستمر لدقيقة و13 ثانية في فيلمه «جيروسيك بارك» (الأول سنة 1997) يظهر فيها تأثره المباشر بلقطة كوّنها أورسن وَلز في فيلمه البديع «المواطن كين» سنة 1941، وهي اللقطة التي وزّع فيها ثلاث شخصيات رئيسية على بعد ملحوظ من الكاميرا («لونغ شوت») والمسافة بين كل شخصية وأخرى هي أيضًا كبيرة مع خلفية تنص على حركة بضعة أولاد يخرجون من اللقطة بعد قليل. المشهد داخلي وأحد الممثلين (أرليس هوارد) يتقدّم من طاولة ليوقع وثائق. في «المواطن كاين» هناك مشهد توقيع مماثل مع ظهور لأورسن وَلز في الخلفية.
وإذا ما أمعن المرء جيّدًا في أفلامه (ومنها «غزاة تابوت العهد المفقود» مثل مشهد تدحرج الكرة خلف هاريسون فورد الهارب منها) وجد كثيرا من الاستلهامات. حتى «جوز» (Jaws) الذي سيعرض عرضًا خاصًا في مهرجان دبي المقبل خلال أيام، يستبدل «طيور» هيتشكوك بأسماك القرش (ولو أن فيلم هيتشكوك هو الذي يطير فعلاً).
تقيس حب المخرج للسينما بمدى نجاحه، بصرف النظر عن نوعية أفلامه، إذ إن هناك مخرجين توقفوا عن العمل باكرًا أو لاحقًا، فقدوا الثقة وفقدوا الشغف والعلاقة أساسًا. سبيلبرغ من النوع الأول.