د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

رفقًا بالأطفال في سمنتهم

التعامل الطبي مع مشكلة السمنة يجدر أن يتسم بالحكمة، أسوة بكل أنواع التعاملات بين العاملين في الأوساط الطبية مع مرضاهم. وصحيح أن السبيل إلى التخلص من مجموعة الكيلوغرامات الزائدة في وزن الجسم ينحصر في طريقين هما خفض كمية كالورى السعرات الحرارية المتناولة ضمن الغذاء اليومي، وممارسة الرياضة البدنية بشكل يومي، إلا أن الأسباب التي تُؤدي بالإنسان إلى الإصابة بالسمنة لا تنحصر في سببين بل في أكثر من عشرة أسباب. ولذا فإن إفهام المُصاب بالسمنة أن لديه مشكلة صحية، خطوة أولى. والمطلوب من هذه الخطوة تهيئة المُصاب بالسمنة للتوجه نحو العمل على التغلب على هذه المشكلة الصحية بطريقة تضمن أن لا ينتج عنها مشاكل صحية أخرى.
هذا في حال سمنة البالغين، أما في حال سمنة الأطفال فإن الحاجة إلى الحكمة لا تكون فقط من قبل الطبيب المتابع للطفل بل من الوالدين على وجه الخصوص في مساعدة الطفل للتغلب على مشكلة السمنة ولحماية نفسيته وعواطفه خلال تلك الرحلة وصولاً بوزن الجسم إلى المعدلات الطبيعية.
ووفق الإحصائيات التي تذكرها المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها فإن نسبة الأطفال فيما بين عمر 6 إلى 11 سنة - المصابين بالسمنة ارتفع من 7 في المائة في عام 1980 إلى نحو 18 في المائة في عام 2012، وارتفعت نسبة المراهقين فيما بين عمر 12 إلى 19 سنة المصابين بالسمنة من 5 في المائة في عام 1980 إلى نحو 21 في المائة في عام 2012، وبالعموم فإن أكثر من ثلث الأطفال والمراهقين مُصابون بالسمنة وزيادة الوزن.
هذا حجم المشكلة، أي إنها مشكلة صحية شائعة، وتحمل في طياتها ارتفاع احتمالات تسبب هذه السمنة بأمراض القلب المبكرة ومرض السكري من النوع الثاني المبكر وغيرها من التداعيات الصحية. وهذه المشكلة الشائعة لدى الأطفال تعني تلقائيًا أنها شائعة في أوساط الآباء والأمهات بداهة. ووضع هذه الحقائق عن السمنة لدى طفلهم أمام الآباء والأمهات يدفع البعض منهم نحو معاملة الطفل بطريقة قاسية وتتسم بالمضايقة نتيجة للنظر إلى مشكلة السمنة كما لو أنها مماثلة لمشكلة عدم الذهاب إلى النوم في وقت مبكر أو التخلف عن الأداء الدراسي المتميز وغيرها من السلوكيات التي يجتهد الوالدان في تعديل أي انحراف فيها لدى الأطفال. ولكن لماذا يتوجه بعض من الآباء والأمهات نحو هذا السلوك؟، الإجابات تختلف وتُدخلنا في متاهات معالجة طريقة تعامل الوالدين مع المشكلات الصحية لدى أطفالهم، وهو ما يطول الحديث عنه.
لنأخذ طريقًا منطقيًا آخر في الإجابة. إن الطفل لم يُقرر أبدًا في بداية الأمر أن يكون سمينًا، إذ إنه قرر أن يتناول ما لذّ له وطاب دون حساب ووعي بعواقب ذلك الصحية على وزنه وتبعات ذلك، ووجد كل الظروف التي تسمح له بذلك ووصل بالتالي إلى السمنة. وهو بداية أيضًا طفل لا يعي معنى «مضاعفات السمنة» ولا «تداعيات السمنة» إلا حينما نشأت المشكلة الصحية لديه. وبعيدًا عن فتح باب علاقة الوالدين بترك الطفل يفعل ذلك لفترة طويلة، ودور الوالدين في تعليم الطفل عواقب الانفلات في تناول الأطعمة، ومدى قيام الوالدين بقياس وزن الطفل بشكل روتيني كل شهرين أو ثلاثة أشهر لمتابعته وتعديل مسار المشكلة والوقاية منها قبل الوقوع فيها، فإن مضايقة الطفل بالعموم حول سمنته لها تأثيرات صحية عكسية على نفسية الطفل وعلى سلوكياته في تناول الطعام.
وكان الباحثون من جامعة هيوستن قد نشروا ضمن عدد نوفمبر (تشرين الثاني) من مجلة المراهقة المبكرة Journal of Early Adolescence، نتائج دراستهم عن تأثيرات إغاظة الفتيات حول سمنتهن أو زيادة الوزن لديهن على مستوى تقديرهن لأنفسهن ومخاطر إصابتهن بأي من أنواع اضطرابات تناول الطعام Eating Disorders. وعلقت البروفسورة نورما أولفيرا، الباحثة الرئيسية في الدراسة من جامعة هيوستن، بالقول: «حالة وزن الجسم هي شأن بالغ الحساسية لدى الأطفال ذوي الوزن الزائد أو المصابين بالسمنة، ومضايقتهم في هذا الأمر قد تتسبب برد فعل قوي إذا ما صدرت عن أطفال آخرين ليسوا سمينين». وفي الدراسة أفاد جميع الأطفال المشمولين بالدراسة بأنهم غير سعداء بكونهم سمينين ويتمنون لو كانوا أنحف.
وفي 21 نوفمبر الحالي قامت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال بتحديث نشرتها الخاصة حول التأثيرات العاطفية السلبية للسمنة على الأطفال. وقالت فيها إنه ليس هناك فقط تبعات صحية المرتبطة بالسمنة في مرحلة الطفولة، ولكن أيضا أن مشكلة زيادة وزن الطفل متشابكة عن كثب بعالمه العاطفي. وتحدثت عما سمته وصمة العار الاجتماعية للأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن وأن هذه النظرة قد تكون ضارة للطفل مثل الأمراض التي غالبا ما تصاحب السمنة وأنها لا تطالهم وحدهم بل تطال والديهم الذين يعيشون مع الوزن الزائد لطفلهم كأمر يفطر الفؤاد.
وبصفة عامة، إذا كان طفلك يعاني من السمنة، فهو أكثر عرضة لتدني احترام الذات وهو ما يضعف الثقة بالنفس ويؤدي إلى تدني الأداء الأكاديمي في المدرسة. ولذا فإن الرفق بالطفل والعمل لمساعدته على تجاوز مرحلة زيادة الوزن هو شأن مهم، على الوالدين أن يتعاونا فيه مع الطفل.

* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]