رونالد نوبل
لمدير السابق للشرطة الدولية (الأنتربول)
TT

لافتة الترحيب الأوروبية بالإرهابيين

جعلت ترتيبات فتح الحدود الأوروبية، التي أتاحت السفر، عبر 26 دولة دون فحص جوازات السفر أو رقابة، الحدود بين الدول منطقة دولية كبيرة، يستغلها الإرهابيون في تنفيذ الهجمات على القارة العجوز، ويفرون بمنتهى السهولة.
ذلك هو أحد الدروس المستفادة من الهجمات الإرهابية المروعة التي ضربت باريس مؤخرا. كما توفر أحد أبسط الحلول المطروحة للمشكلة. يجب تعليق العمل بترتيبات الحدود الأوروبية المفتوحة، وعلى كل دولة من الدول المشاركة أن تبدأ في تنظيم فحص ومراجعة جميع جوازات السفر على قواعد البيانات الخاصة بجوازات السفر المسروقة والمفقودة التي يشرف عليها الإنتربول.
خلال الفترة السابقة على الهجمات الأخيرة، لم تعمل أي من تلك الدول على فحص جوازات السفر بصورة منظمة أو التحقق من هويات المواطنين العابرين للحدود بطريق البر أو عبر الموانئ أو في المطارات. إن ذلك يبدو مثل رفع لافتة ترحيب بالإرهابيين على الحدود إلى داخل أوروبا. ولقد قبلوا الدعوة بالفعل!
يُشتبه في أن أحد منفذي الهجمات الإرهابية في باريس استخدم جواز سفر سوريًا مزورًا لدخول اليونان طلبًا لحق اللجوء السياسي. ولقد ألقت السلطات الصربية في وقت لاحق القبض على أحدهم ممن يحتوي جواز سفره على تفاصيل تتشابه مع ذلك الذي عثروا عليه في أحد مسارح أحداث هجمات باريس الإرهابية.
جرت المفاوضات في عام 1985 بشأن ترتيبات الحدود الأوروبية المفتوحة في مدينة شينغن، ومن ثم عُرفت الاتفاقية لاحقا باسم اتفاقية «شينغن». وهناك 22 دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هي أطراف في تلك الاتفاقية.
في سبتمبر (أيلول)، أعلن جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية أن حرية الحركة بموجب اتفاقية «شينغن» هي «رمز فريد للتكامل الأوروبي».
ولكن ما كان يُعتبر فكرة معقولة من قبل بات يشكل في الوقت الراهن خطرًا حقيقيًا وقائمًا، إذ إن جوازات السفر المسروقة والمزيفة من منطقة دول «شينغن» من بين أكثر أنواع الهويات رواجًا بين الإرهابيين والمهربين وتجار البشر وغيرهم من المجرمين. ومن بين الدول الأوروبية التي لم تنضم لاتفاقية دول «شينغن» المملكة المتحدة، التي شرعت في فحص جوازات السفر وفقًا لقواعد بيانات الإنتربول عقب هجمات عام 2005 التي أسفرت عن مصرع 52 مواطنًا وإصابة أكثر من 700 آخرين في لندن.
وللولايات المتحدة تاريخ طويل من التعامل مع الإرهابيين الذين يستخدمون جوازات السفر ووثائق الهوية المسروقة أو المفقودة في دخول البلاد. وفي عام 1993، كان رمزي يوسف، العقل المدبر لأول هجمة تهدف لنسف مركز التجارة العالمي، دخل الولايات المتحدة طالبًا للجوء السياسي مستخدمًا جواز سفر عراقيًا مزورًا. وفي عام 2007، بدأت الولايات المتحدة في التحقق من وثائق الهوية، مع أكثر من 300 حالة فحص سنوية وفقًا لقاعدة بيانات الإنتربول.
إن وجود الحدود المفتوحة من دون وسائل للتدقيق والفحص يساعد الإرهابيين. والعجز عن تنفيذ الفحص الدقيق لجوازات السفر عند المعابر الحدودية تصرف غير مسؤول في مواجهة موجة الإرهاب الدولي. واستنادًا إلى 14 عامًا من الخبرة في إدارة الإنتربول، أعلم أن الإرهابيين تسنح لهم كثيرًا فرص النجاح في عملياتهم ما دامت الدول فشلت في التحقق من هويات أولئك الذين يعبرون حدودها.
في أعقاب الهجمات الإرهابية الأخيرة، تعيد بعض الدول الأوروبية النظر في سياسة الحدود المفتوحة لديها. ويتوقع من وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي النظر في تنفيذ إجراءات فحص أكثر صرامة على المواطنين حال الدخول أو الخروج عبر منطقة «شينغن».
تُعدّ تلك خطوات إيجابية. يمكن لتنظيم داعش تنفيذ هجمات جديدة اليوم، أو غدًا، أو الأسبوع المقبل. وحتى يمكن فحص الجوازات بصورة منهجية عند كل نقطة عبور حدودية، يتعين على دول اتفاقية «شينغن» تعليق العمل بترتيبات الحدود المفتوحة فيما بينها.
عندها فقط، تكون كلمات الحزن والتضامن من رؤساء الحكومات لدينا تحمل معاني حقيقية وصادقة.

* المدير السابق للشرطة الدولية (الأنتربول)
* خدمة {نيويورك تايمز}