سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

لا.. ليس موقفًا ضد اليهود!

لا أثق كثيرًا في جدوى حملات المقاطعة التي تنطلق في أوروبا من وقت إلى آخر ضد منتجات إسرائيلية قادمة من مستوطنات في الضفة الغربية المحتلة!
وأسباب عدم الثقة أنها حملات تظل بنت وقتها، وأنها في كل مرة لا تكاد تنطلق، حتى تهدأ، ثم تختفي وتموت!
وسبب آخر، هو أن أوروبا في الحقيقة لا مصلحة لها اقتصادية، ولا حتى سياسية، في استمرار مثل هذه الحملات.. بل العكس قد يكون هو الصحيح.. لأن إسرائيل إذا كانت تُصدِّر إلى دول الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرين، بما يدور حول 20 مليار دولار في العام، وتستورد منها بما يدور حول نصف هذا الرقم، فإن هناك بالتالي مصالح اقتصادية على الأقل متبادلة بين الطرفين، وهي مصالح بحكم طبيعتها، قادرة على تجاوز كل ما هو عداها!
وسبب ثالث، أننا كعرب أصحاب قضية عادلة في فلسطين، يجب ألا نراهن كثيرًا ولا قليلاً، على الضمير الأوروبي الذي يستيقظ من آن لآخر إزاء هذه القضية، ثم لا يلبث حتى ينام!.. إذ علينا أن نراهن على أنفسنا أولاً!
وحتى لو طالت يقظة الضمير الأوروبي لفترة، فإننا يجب أيضًا ألا ننسى، أن وعد بلفور الذي أنشأ دولة إسرائيل من عدم، كان قد جاء عام 1917 من إحدى دول هذا الاتحاد.. ثم يجب ألا ننسى كذلك، أن البرنامج النووي العسكري الإسرائيلي، كان قد نشأ في خمسينات القرن الماضي، بعون من دولة أخرى، من دول الاتحاد نفسه!
كل هذا لا يقلل بالطبع، من قيمة ما يمكن أن تقوم به دول الاتحاد، حاليًا، من جهد ضد العبث الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإن كان هذا لا يجوز أن يمنعنا من أن نتساءل عن المكان الذي كان الضمير الأوروبي الحي موجودًا فيه عام 1917، وقت أن أعطى من لا يملك في لندن، وعدًا لمن لا يستحق في تل أبيب، أو في الخمسينات، وقت أن بدأ البرنامج النووي العسكري الإسرائيلي، بمساعدة فرنسية خالصة!
إن الإفاقة المؤقتة، للضمير الأوروبي في دول الاتحاد، قد جعلت تل أبيب لا تنام، وليس أدل على ذلك، إلا أن إسرائيل قد قررت إلغاء زيارة رئيسها رؤوفين ريفلين، إلى مقر الاتحاد في بروكسل، بمجرد أن قررت دول الاتحاد وضع ملصقات على منتجات المستوطنات في الضفة، لتمييزها عن غيرها، وهو تمييز كما نعلم، سوف يجعل كل صاحب ضمير، يتناول أي سلعة عند الشراء، ليدفع ثمنها من جيبه، إلا أن تكون هذه السلعة قد جاءت من مستوطنات إسرائيل في أراضي فلسطين المحتلة!
ليس هذا وفقط، ولكن قالت إسرائيل إن لقاءات كان من المقرر أن تنعقد خلال الفترة المقبلة بين سياسيين فيها، وبين نظراء أوروبيين لهم، وإن هذه اللقاءات سوف تتباطأ وتيرتها، وربما لا تنعقد من أصله بعد قرار الملصقات الذي أطار النوم من عيني نتنياهو، ومن عين كل مسؤول إسرائيلي، يدرك عواقبه على اقتصادهم، ويدرك رسالته السياسية، قبل عاقبته الاقتصادية!
غير أن الذي لا بد أن يستوقفنا في الموضوع كله، وألا نجعله يفوت، هو كلام الإسرائيليين عن أن قرار الملصقات من الاتحاد الأوروبي، إنما هو موقف ضد اليهود!
هذا كلام فيه خلط فادح لا يجوز أن يمر علينا أبدًا، لأن القرار يبقى إزاء السياسات الإسرائيلية المجحفة، ضد الفلسطينيين في الضفة، وليس موقفًا من اليهود باعتبارهم أصحاب ديانة سماوية، سواء كانوا في إسرائيل، أو في غيرها.
إن اليهودي الذي يتبع رسالة موسى عليه السلام، كما نزلت عليه، لا أحد ضده في أي أرض، طالما أنه لا يدين بالعقيدة الصهيونية في الاستيلاء على أراضي الغير، وطالما أنه لا يؤيد ما تقوم به إسرائيل ضد أبناء الأرض، وقد بلغ ما تقوم به إلى حد أنها تحرق أصحاب الأرض أحياء، وليست مأساة الرضيع علي الدوابشة ببعيدة عنا، ولا مأساة أمه، ولا مأساة أبيه، فلقد أحرقهم المتطرفون الإسرائيليون أحياء، وكأن الثلاثة المساكين، مسؤولون عما جرى لليهود زمان على يد هتلر في ألمانيا!
اليهودي بالمواصفات التي ذكرتها شيء، والإسرائيلي الصهيوني شيء على النقيض، ولا مجال للخلط بينهما، لأن أي يهودي غير إسرائيلي، أو غير صهيوني، أو غير متطرف، سوف يجد نفسه مع قرار الاتحاد الأوروبي، وضد كل ما ترتكبه تل أبيب في حق أبناء أرض فلسطين!