إميل أمين
كاتب مصري
TT

تأجيج لا يخدم أحدًا

لعل من يراقب الأجواء الإعلامية والثقافية في الأيام القليلة الماضية ومنذ حادثة باريس، يوقن أن هناك من له مصلحة في تأجيج الصراع مع العالم الإسلامي، والعمل على توسيع دائرة الصراع، بعد تعميم الاتهامات لتشمل عموم المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها.
المحرضون في الداخل الأوروبي لا يستهان بهم، ليس آخرهم رئيس تحرير صحيفة «ليبيرو» الإيطالية ذات التوجهات اليمينية المتطرفة، الذي قام بنشر مانشيت استفزازي على صدر صحيفته ضد المسلمين، أما ماريان لوبان في فرنسا نفسها، فقد جاءتها الأزمة على طبق من ذهب، وهي تستعد لانتخابات الرئاسة القادمة 2017، وأيسر الأمور لها إغلاق المساجد «المتشددة» والتجريد من الجنسية الفرنسية أو الإقامة الجبرية، عطفًا على بقية الإجراءات التي تنسحب على كثير من المسلمين، في شكل من أشكال المكارثية الجديدة، التي لم تعرفها أوروبا.
على أنه إن كان المرء يتفهم أسباب ودوافع بعض الأوروبيين وراء تصاعد حالة «الرهاب الإسلامي» هذه، التي باتت تنحو إلى جهة شيطنة مسلمي أوروبا والعالم، فإن المثير والغريب هو تلك الحملة التي نراها على صدر الصفحات الإسرائيلية، حيث التركيز المجمع عليه بأن الأمر هو حرب مع الإسلام، الذي يوصف بأنه «جهادي» تارة وراديكالي تارة أخرى.
يكتب رون بن يشاي على سبيل المثال في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، عن الحرب العالمية الثالثة بين الغرب والإسلام «الجهادي»، على حد وصفه، ويشير إلى أن الغرب عليه أن يتخلي عن شعارات حقوق الإنسان، ليضمن أهم حقوق مواطنيه وهو الحق في الحياة.
أما نظيره كلمن لبسكيند من «معاريف»، فيعنون مقاله: «الإسلام أعلن حربًا مقدسة على كل ما ومن ليس منه ونحن نسكت».
هل من طريق أقصر من هذه العناوين لتثبيت دعاوى رجلين مثّلا الراديكالية القاتلة في العقد الماضي، هنتنغتون من جهة بتقسيمه العالم تقسيمًا مانويًا، بدعاوى حضارية وثقافية من جهة، وبن لادن برؤيته الكون منقسمًا إلى فسطاطين أحدهما دار حرب، والآخر دار سلام؟
حكما بأن الإجراءات المبالغة والمتجاوزة فكريًا قبل أن تكون ماديًا، لا طائل من ورائها سوى دق طبول الحرب الدينية، عوضًا عن البحث العقلاني عما وراء الإرهاب وأسبابه ومغذياته، فإلقاء الاتهامات أمر يريح من مشقة البحث والتنقيب، ما بين التراث والتاريخ، والقضايا العالقة بين الشرق والغرب في هذا الإطار، التي لا تزال تولد خصومات وتثير كراهيات، وللأسف يتم توريثها للأجيال المقبلة.
نحن نؤكد على حق الأوروبيين في حماية أرواحهم، وفي الدفاع عن حدودهم وفي حفظ ممتلكاتهم، ونعلي من صوتنا الزاعق ونرفع من اللافتات الفاقعة، وندين ونشجب ونستنكر الإرهاب الأسود، ونتعاطف مع المكلومين من الضحايا الفرنسيين، ومن الأوروبيين عمومًا، ولا نهون من شأن من جرى، ولا ندافع عن «دعاة الظلام» و«طيور الكراهية».
بعض الأصوات العقلانية من أحفاد أوروبا التنويرية تحدثوا عبر صحيفة «دير شبيغل» الألمانية محذرين من أن «تهميش وإقصاء المسلمين في أوروبا سيجعل إمكانية تجنيدهم أسهل»، وأنه إذا أردنا إفشال مخططات المتطرفين، فيجب علينا أن نتمسك بقيمنا الثابتة في عدم الحد من الحرية، وألا نغلق حدودنا ونخون إنسانيتنا في وجه المحتاجين، وألا نتنازل عن إنجازاتنا الحضارية الأخرى، لأنه حال فعلنا ذلك سنكون قد حققنا للإرهابيين مرادهم في إقامة الحواجز والجدران، ولن نصبح مطلقًا ما نود أن نكون.
لا يستطيع المرء إعلان الحرب على الغضب، كما أن الذباب لا يمكن أن يهش بالمطرقة، وإلا لكانت واشنطن نجحت في مواجهتها للإرهاب في أفغانستان عبر صواريخ الكروز والتوماهوك وطائرات الـB52، ولم تتعلم من مواجهة طالبان، لتفتح جبهة جديدة في العراق، من رحمها ولدت «داعش».
لا ينبغي أن يترك الإسلام والمسلمون رهينة في يد نفر من المتطرفين عربيًا وإسلاميًا، ولا يجوز أن يقع فريسة لأحكام آيديولوجية من المتعصبين قوميًا، والساعين لإلباس المشهد ثوبًا دينيًا يعود بنا لزمن حروب الفرنجة، كما رآها العرب، أو الصليبية كما ذهب الأوروبيون، ذات يوم من القرون الوسطي.
الطريق لمواجهة الإرهاب شاق وطويل وجهد جهيد وعبء ثقيل يقع على عاتق المفكرين والمثقفين، رجال الدين والسياسة، في العالم العربي والإسلامي، لتبيان الرغبة في الحياة والأمل لشعوب العالم مسلمين كانوا أم غير مسلمين، لا الدعوة إلى الموت والكراهية، وهي مهمة عسيرة، لكن يجب أن نكون في سلم الأولويات الطارئة لتجنيب العالم الأسوأ الذي لم يأتِ بعد.