وجدت في رسائلي على «تويتر» تعليقا من شخص سمّى نفسه، أو نفسها، بـ«جوري» مع صورة ورود، لكن التعليق لم يكن ورديا إطلاقا، ففي الكلمات القليلة التي يتيحها موقع «تويتر» كتب «جوري» منتقدًا، لأنني أسفت وحزنت على ضحايا اعتداءات باريس: «أي رحمة الله يرحم أمك. كفار ما نترحم عليهم بغض النظر عن يجوز قتلهم ولا ما يجوز».
طبعا لم أشعر بأدنى رغبة في النقاش، أو الردّ على مثل هذا المنطق، لكنه منطق تكرر كثيرا في ردود الفعل من حولنا، فعكس مشهدية مربكة، أعني تبدلات المشاعر والتعاطف، بحسب الجغرافيا والدين والمذهب والعرق.
لا شك أن الأمر بدا مخيبا، خصوصا حين نشعر أن كل ذاك الألم والدم الذي نعيش فيه في المنطقة يطوقنا، إلى حد أننا تجردنا من المشاعر الأولى البدائية التي تتلخص في رفض قتل المدنيين، نحن من يسقط لنا مدنيون على مدار الأيام. إذ بالكاد نجا أحد من هجوم ونقد في الأيام الأخيرة، جراء حملات التضامن عبر نشر تعليقات وصور وأعلام الدول ضحية العمليات الإرهابية التي ارتكبها تنظيم داعش، وخصوصا طبعا الاعتداءات التي حصلت في باريس. راج استبدال الصور الشخصية بتمويه بعلم فرنسا، فساد لدى كثيرين حالة من الغضب والالتباس. عمد آخرون إلى وسم العلم اللبناني، احتجاجا على نيل فرنسا تضامنا عالميا أكبر من التضامن مع ضحايا التفجيرات في بيروت، التي حصلت قبل يوم من هجمات باريس..
وتصاعدت حلقة المزايدات..
اعتداءات فرنسا تحولت لدى الباريسيين والغرب إلى حملة تضامن وحزن، وفي عالمنا العربي برزت بصفتها نقطة خلاف وصدام، نكاد لا نتقن غيرها. إذ بدا في أحيان كثيرة التعاطف عندنا مشروطا، وتورطت وسائل إعلام معروفة، بشكل مباشر أحيانا، في إثارة هذه التحفظات، عبر مقاربة خبيثة للحدث، وهوية الضحايا والمرتكبين. ولأن العبث لا حدود له، فقد سجل وقوع كُثر في فخ تداول خبر عن سقوط 147 ضحية في كينيا، فانبرت تعليقات تطالب المتعاطفين بعدم تجاهل القارة الأفريقية.. كان واضحا طبعا أن من انجرفوا خلف هذا لم يدققوا جيدا، إذ كان الخبر المعني هو استهداف «داعش» لطلاب جامعة في كينيا، وهي جريمة وقعت قبل سبعة أشهر، لكن في فوضى التواصل الاجتماعي فإن قلة باتت تدقق، فاختلط الأمس باليوم.
لعل المعني الأبرز هنا هم السوريون، الذين لا يرون ألما يضاهي ألمهم، وهناك اللبنانيون الذين تآلفوا مع التفجيرات، أما العراقيون فالموت خبزهم اليومي لأكثر من عقد الآن، فيما اليمنيون يكابدون ليخرجوا من دائرة الإهمال لضحاياهم. حتما لسنا هنا في وضع المجموعات في قالب واحد بحسب الهوية، أو الجنسية، لكن بالتأكيد كان هناك حال من الفوضى والصدام حيال الانفعالات.
توحي الفوضى الشعورية هذه بأننا لم نتعلم كثيرا من الموت الوفير الذي أرهقنا كدول، وكأفراد ومجتمعات.
فالقتيل هناك ليس قتيلنا، كما أن القتيل هنا ليس قتيلهم..
نعجز عن الاتفاق على أن القتيل ضحية، والانحياز إليه يجب أن لا يدخل في سياق نزاع الهويات.. ثم إن في الانحياز إلى ذلك القتيل إعلانا أيضا عن أن القاتل واحد، وأننا نحن أيضا ضحاياه.
7:44 دقيقه
TT
أيضًا وأيضًا.. قتلانا وقتلاهم
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة