فايز سارة
كاتب وسياسي سوري. مقيم في لندن. عمل في الصحافة منذ أواسط السبعينات، وشارك في تأسيس وإدارة عدد من المؤسسات الإعلامية، وكتب في كثير من الصحف والمجلات، ونشر دراسات ومؤلفات في موضوعات سورية وعربية. وساهم في تأسيس العديد من التجارب السياسية والمدنية.
TT

حوار المعارضة السورية والروس

حمل التدخل العسكري الروسي في سوريا متغيرات جديدة في القضية السورية وحولها، كان الأهم في هذه التغيرات انتقال روسيا من صف الوقوف السياسي إلى جانب نظام الأسد، ودعمه بأشكال مختلفة بما فيها السلاح والذخيرة، إلى التدخل العسكري المباشر بالقوات من جهة وإلى تكثيف دعمها السياسي له باعتبارها صارت معه في خندق قتال واحد.
كما كان في عداد هذه التغيرات، أن روسيا وبحكم موقعها في القوة العالمية كدولة كبرى، وبإمكانياتها المتميزة، صارت القوة الأهم في تأثيرها في القضية السورية، ولا سيما في موقعها بين الأطراف المقاتلة ضد الشعب السوري، مما يجعلها في موقع القيادة لحلف النظام مع إيران والميليشيات التابعة لها وغيرها، ممن يقاتلون ضد الشعب السوري والمعارضة المسلحة.
وبطبيعة الحال، فإن علاقات المعارضة مع الروس، كانت أبعد ما تكون عن العداء على مدار سنوات الصراع السوري، بل كانت في أغلبها علاقات حوار علني أو مستور بين الجانبين، بدأت مع بداية الأحداث في دمشق، ثم تولد فيها خط آخر في الخارج، بعد أن أسست المعارضة السورية لها كيانات وتشكيلات في الخارج، أبرزها الائتلاف الوطني السوري الذي انخرط في لقاءات وحوارات مع الروس في إسطنبول وفي موسكو وأماكن أخرى، كان آخرها لقاءات عقدت في موسكو بين الائتلاف والقيادة الروسية قبيل التدخل العسكري الروسي بقليل، وهي لقاءات تقاربت زمنيًا مع لقاءات روسية مع ممثلين عن أطراف معارضة أخرى بينها لجنة القاهرة لمؤتمر المعارضة السورية.
ورغم أن التشكيلات المسلحة للمعارضة السورية لم تدخل بوابة حوار مباشر مع الروس، فإنها لم تكن بعيدة عنه بحكم علاقاتها وصلاتها مع تكوينات المعارضة، وبخاصة الائتلاف الوطني، الأمر الذي جعلها قريبة من الحوار، وإن كانت لا توافق على كثير من مضامينه، خاصة في ظل موقف روسي، يدعم نظام الأسد في المستوى الدولي، ويقدم له مساعدات توفر له سبل البقاء والاستمرار، ويؤكد شرعية وجود الأسد، ويؤيد استمراره في سدة السلطة.
وبدا من الطبيعي أن يترك التدخل العسكري الروسي أثره المباشر على موقف المعارضة وعلاقاتها مع موسكو والحوار معها.
وباستثناء عدد قليل من تكوينات المعارضة منها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، رحبت بالتدخل باعتباره يندرج في إطار الحرب على الإرهاب والتطرف وجماعاته، ولا سيما تنظيم داعش، فإن أغلب قوى المعارضة وقفت موقف الحذر من التدخل ورفضته.
أما المعارضة المسلحة، فكانت أكثر تشددًا في الموقف من التدخل الذي استهدفها مباشرة سواء لجهة ضرب معسكراتها وقواتها، أو لجهة استهداف حواضنها الشعبية في التجمعات السكانية في حمص وحماه وإدلب وحلب ومناطق من ريف دمشق في ظل حقيقة عدم أي وجود لـ«داعش» في تلك المناطق، وقد تعزز هذا الموقف في ضوء مشاركة الطائرات الروسية بالاستطلاع والقصف الجوي بالتنسيق مع هجمات قوات النظام مدعومة بالقوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها على مناطق المعارضة، خصوصًا في ريف حماه وإدلب وحلب.
وعلى الرغم من تداعيات الموقف الروسي التي عمقت دوره في المعسكر المعادي للشعب السوري وثورته، وما أصاب حوار المعارضة السورية السياسية والمسلحة من تغييرات، تجعله صعبًا وتصادميًا، فإن وقف الحوار مع الروس الذي يشكل أولى مراحل التفاوض، لا ينبغي أن يتوقف من جانب المعارضة، بل ينبغي أن يستمر في مستويين، أولهما عدم إلقاء السلاح والتصدي لهجمات النظام المدعومة روسيًا على المعارضة المسلحة المعتدلة، وحوار من مستوى آخر تخوضه قوى المعارضة السياسية حول الوضع في سوريا وتطوراته، بهدف السعي لتغيير الموقف الروسي، ليس فقط من خلال المصالح والمنطلقات السياسية، بل عبر استخدام القوة المسلحة التي تمثلها التشكيلات المسلحة للمعارضة وعملياتها على الأرض.
إن ضرورات الحوار مع الروس، لا تتعلق بوضعهم وعلاقاتهم بالقضية السورية، من حيث الروس قوة عظمى ذات إمكانيات وقدرات كبيرة، وقد صاروا في قلب القضية السورية، وأحد أهم المؤثرين في تطوراتها اللاحقة فقط، إنما أيضًا بوضع المعارضة ذاتها، التي هدفها خلاص الشعب، وهذا لا يتحقق بوجودها بعيدة عن الفاعلين في القضية، وهي ستخوض عاجلاً أو آجلاً مفاوضات حول الحل في سوريا، وشروط الانتقال من نظام الاستبداد والقتل إلى نظام جديد، يوفر مطالب السوريين في الحرية والعدالة والمساواة.
إن المشكلة الأساسية في حوار المعارضة مع الروس بما هو مرحلة أولى في التفاوض المقبل، يكمن في جوهر الحوار ومحتوياته. فمن المهم إيصال رؤيتها للقضية السورية، وإيضاح مواقفها من التطورات الحالية، وفهم السياسات والمواقف المعلنة والخفية للأطراف المختلفة، خصوصًا الروسية من أجل التعامل معها بمعرفة ووعي كبيرين، تفرضهما الرغبة في الوصول إلى حل، يخلص السوريين مما صاروا إليه، وينقذ ما تبقى من سوريا التي دمرها نظام الأسد وحلفاؤه.