أمير طاهري
صحافي إيراني ومؤلف لـ13 كتاباً. عمل رئيساً لتحرير صحيفة «كيهان» اليومية في إيران بين أعوام 1972-1979. كتب للعديد من الصحف والمجلات الرائدة في أوروبا والولايات المتحدة، ويكتب مقالاً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» منذ عام 1987.
TT

ما حلم به الخميني.. حققه أوباما

كان حلمًا لدى الخميني، ذلك الذي يحاول الرئيس الأميركي باراك أوباما جاهدًا تحقيقه: نهاية السلام الأميركي.
كان الموضوع محل ندوة نقاشية امتدت ليوم واحد بالأسبوع الماضي في طهران تلك التي شهدها سفراء من دول بوليفيا وكوبا والإكوادور ونيكاراغوا وفنزويلا، إلى جانب عدد من المسؤولين الإيرانيين وعلماء المسلمين.
تمثل دول أميركا اللاتينية الخمس الحضور، مع أنظمة حكمها ذات النزعة اليسارية، واحدة من «التكتلات» التي حاول الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد استقطابها كمراكز مناوئة و«مقاومة» لنفوذ الولايات المتحدة حول العالم. أما «التكتل» الآخر فيتألف من لبنان، التي تسيطر إيران عليها عبر وكيلها الأمين حزب الله، ثم سوريا، تحت حكم بشار الأسد، وأجزاء من العراق الذي تسيطر عليه الجماعات المسلحة الموالية لطهران. وكانت الخطة تقضي بإقامة «تكتل» جديد عن طريق تفتيت كتلة دول مجلس التعاون الخليجي عبر «فنلدة» بعض من أعضاء المجلس في حين بسط السيطرة على اليمن من خلال جماعات الوكالة الشيعية المحلية.
من المقرر لطهران، خلال الشهر المقبل، أن تستضيف مؤتمر «نهاية أميركا» في دورته الخامسة، في وجود عدد من الشخصيات البارزة المعادية للولايات المتحدة من أوروبا، ويتوقع حضور شخصيات من الولايات المتحدة ذاتها.
مع ذلك، فإن توقيت تلك الممارسات يثير شيئًا من الحيرة.
لأول مرة منذ ما يقرب من عشر سنوات، كانت مؤسسة الرئاسة الإيرانية، إلى جانب جزء من الحكومة ذاتها بما في ذلك وزارة الخارجية التي تبدو من الخارج قابعة تحت هيمنة الفصيل الموالي لرفسنجاني، تحاول جاهدة إبرام اتفاق مع الجانب الأميركي منذ أواخر الثمانينات.
يتساءل كثيرون في طهران الآن عما إذا كان مؤتمر «نهاية أميركا» سوف يُعقد هذا العام على الإطلاق. لقد وجهت الدعوة بالفعل إلى «عائلات الضحايا الأميركيين من أصول سوداء ممن تعرضوا لوحشية الشرطة الأميركية»، إلى جانب الزعماء الدينيين الأوروبيين والعلماء المعارضين لـ«الشيطان الأكبر».
يجادل بعض المعلقين الموالين لرفسنجاني في طهران، وبعض منهم ضالعون في ركب الرئيس روحاني، ضد عقد مؤتمر آخر حول «نهاية أميركا» ويصفون الحدث بأنه لا داعي له في أحسن الأحوال وسوف يسبب الكثير من الاستفزازات في أسوأها.
يقول وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن الولايات المتحدة، أعربت عن حسن نياتها عن طريق التراجع للوراء لاسترضاء إيران ومطالبها أثناء المفاوضات النووية الأخيرة. ومن الحمق في ظروف كتلك استفزاز الولايات المتحدة في الوقت الذي تحتاج إيران فيه لدعم واشنطن في إزالة صرح العقوبات الاقتصادية الضخم ودفع الملحمة النووية بأكملها في طريق التجاهل أو النسيان.
قبل أكثر من 30 عاما مضت، أدى تعنت الخميني إلى تدمير رئاسة جيمي كارتر، وحرمان إيران من صديق لها داخل واشنطن. ومن الحمق الشديد تكرار ذات الخطأ عبر إهانة باراك أوباما والحزب الديمقراطي بأكمله، وبالتالي مساعدة الجمهوريين في العودة إلى السلطة وهم الملتزمون للغاية بتحويل حياة نظام إيران الحاكم إلى جحيم.
تتضح من طهران النتيجة المثالية للانتخابات الرئاسية الأميركية الحالية من حيث ترشح وفوز إما نائب الرئيس جوزيف بايدن أو وزير الخارجية جون كيري. وكلا الرجلين يملك تاريخًا طويلاً من الدعم للثورة الخمينية والجمهورية الإسلامية ويحملون التزامًا جادًا بتعزيز العلاقات الثنائية الأكيدة مع طهران تحت حكم الملالي.
سوف تتزامن أربع أو ربما حتى ثماني سنوات أخر من سياسات أوباما بشكل لطيف، مع مدة اتفاق فيينا النووي الذي ينص على «الإغلاق النهائي للملف» بحلول عام 2023 على أقصى تقدير. وحتى ذلك الحين، سوف تكون إيران على مسافة عام واحد فقط من إنتاج الترسانة النووية إذا ما قررت بناءها. وبعد ذلك التاريخ، يمكن لإيران بناء تلك الأسلحة خلال 60 يومًا فقط، كذلك، إذا ما رغبت في ذلك.
الأهم من ذلك، فثماني سنوات أخر من استراتيجية أوباما سوف تجعل الأمر صعبًا للغاية إن لم يكن مستحيلاً، بالمعنى العملي، لأية إدارة أميركية قادمة أن تعمل على إيحاء «السلام الأميركي» كخيار قابل للتفعيل. تهدف استراتيجية أوباما إلى تقليص الوجود العسكري الأميركي عبر مختلف أنحاء العالم. حيث يتم إغلاق العشرات من القواعد العسكرية أو تقليص تعدادها إلى عناصر رمزية من القوات. وخلال ما تبقى من رئاسة أوباما، فإن المقرر لدى جيش الولايات المتحدة وحده أن يفصل ما يقرب من 40 ألف جندي. وشهدت الولايات المتحدة في ولاية أوباما أكبر عملية تخفيض في إنفاقاتها الدفاعية منذ أيام الحرب الباردة العنيفة و«ثمارها السلمية».
وبمزيد من الأهمية، ربما، تمكن أوباما من زعزعة - إن لم يكن تدمير - تحالفات أميركا القديمة في مختلف أجزاء العالم، وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط. حتى الحليف القديم الوفي مثل المملكة المتحدة قد لعب في علانية سافرة ببطاقة العلاقات المتميزة مع الصين، مع الأخذ في الاعتبار، ضمنيًا، حالة التراجع الأميركية الواضحة.
نجح أوباما في تغيير صورة الولايات المتحدة من كونها «الفائز» إلى «الخاسر» على نحو ما يبدو واضحًا عبر سلسلة من الأزمات على شاكلة ضم الأراضي الجورجية والأوكرانية من قبل موسكو، إلى ظهور تنظيم داعش الإرهابي، وإعادة صعود حركة طالبان الأفغانية، ناهيكم عن النفوذ المتزايد لطهران في كل من لبنان وسوريا والعراق. نتج عن تحذير «الخطوط الحمراء» الذي أصدره أوباما إلى الرئيس السوري بشار الأسد، متبوعًا بالاستهلاك الدرامي لتلك الكعكة المتواضعة، إبراز صورة الولايات المتحدة بأنها «الخاسر» الوحيد في المنطقة.
أدى التراجع الأميركي العالمي فعليًا إلى إثبات أكثر تأكيدًا من جانب الصين إزاء موقفها كقوة آسيوية عظمى. كما شجع كذلك التوجه القومي في اليابان إلى مستوى السعي نحو التعديل الدستوري للسماح بنشر القوات العسكرية اليابانية في الخارج، ربما في وقت لاحق، وحتى تطوير الترسانة النووية اليابانية الذاتية. أما دول أميركا اللاتينية فهي منقسمة إلى تيارين متنافسين من قوى اليمين واليسار، مع اعتبار أدنى وأدنى للولايات المتحدة بوصفها لاعبًا دوليًا كبيرًا. وفي أوروبا وأواسط آسيا، تتحرك روسيا بسرعة لاستعادة جزء من نفوذها المفقود وإظهار قوتها أينما أمكنها ذلك. وصارت كثير من الصراعات المحلية، التي أخمدت بفضل الولايات المتحدة، مشتعلة مرة أخرى، من إقليم القوقاز وحتى شبه القارة الهندية الباكستانية. ويتفاقم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في الفراغ الناجم عن الانهيار التام لمحادثات السلام برعاية الولايات المتحدة.
إن نهاية السلام الأميركي قد تتحول إلى صالح المواطنين الأميركيين، وفي تلك الحالة، يمكن لأوباما أن يدخل التاريخ من واقع رؤاه الحكيمة للمستقبل.
ومع ذلك، حتى إذا كانت تلك هي الحالة، فهناك مصالح جمة للملالي لتشجيع أوباما على المضي قدمًا في الاستراتيجية الحالية، وفي حدود إمكانياتهم المتواضعة، مساعدة خط أوباما على الاستمرار تحت حكم بايدن، أو كيري، أو حتى هيلاري كلينتون، من واقع أسوأ الخيارات المطروحة على الطاولة.
قد يرى كثيرون أن عالم «نهاية أميركا» يعد أكثر خطورة مما يبدو. ولكن الملالي، رغم كل شيء، سوف يعتبرونه تحقيقًا حيًا لحلم الخميني.