علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

من ليبيا إلى سوريا

أخيرا أصبح هناك شبه ضوء في نهاية النفق أمام الأزمة الليبية، بعد اقتراح المبعوث الدولي تشكيل حكومة وحدة وطنية تقود البلاد نحو الخروج من الفوضى والاقتتال الداخلي العبثي.
ليس معروفا ما إذا كان هذا الاتفاق هو حقيقة الضوء في نهاية النفق الذي طال انتظاره، أم أن مصيره سيكون مثل بقية المحاولات التي أحبطتها قوى سياسية وعسكرية هناك ترى أن مصلحتها في الفوضى، وقد بدأت إرهاصات ذلك برفض القوى المتحكمة في العاصمة طرابلس مشروع المبعوث الدولي. لكن كما تدل تجارب سابقة في نزاعات أخرى مثل البوسنة أو أيرلندا الشمالية، فإن صياغة الاتفاق هي الجزء السهل، لكن إقناع المتصارعين بالجلوس على الطاولة من دون سلاحهم هو الجزء الأصعب.
وقد كان الربيع الليبي الذي أطاح بالقذافي أكثر حالات الربيع العربي التي كانت عليها رهانات بأنها مرشحة لتكون الأفضل، في ضوء اعتبارات أن ليبيا ليست فيها نزاعات طائفية، وأن قضية المناطقية سهل حلها، خاصة مع وجود ثروة نفطية، وعدد سكان محدود يسمح بمستويات معيشة مرتفعة نسبيا، مما يسهل التنمية وجهود التعمير، لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن. وحدث التشرذم وهوس السلاح بعد سقوط القذافي، وتدفقت الأسلحة على مختلف الجماعات المتطرفة التي استغلت الفوضى، وأصبحت خطرا ليس على ليبيا وحدها، ولكن على دول الجوار، وعلى الضفة الأخرى الأوروبية للبحر المتوسط مع نشاط عصابات تهريب المهاجرين.
وأصبحت ليبيا وسوريا الحالتين اللتين سقطتا في مستنقع الحرب الأهلية أو ما يشابهها من حالات الربيع العربي، مع التفاوت في الظروف وحجم الخسائر، وهما بالمناسبة الحالتان اللتان تشهدان نقطة فاصلة، وحراكا دوليا يؤذن إما بتصعيد مع تدخلات خارجية، وإما بتسخين يقود بالجميع إلى الجلوس على مائدة التفاوض.
وأظهر المجتمع الدولي أسنانه في دعم مقترح حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا بدعم مجلس الأمن لها، والتهديد بعقوبات على المعرقلين له، وإذا نجح في الأزمة الليبية، فإنه سيفتح الباب لحلول مماثلة في سوريا التي تغيرت قواعد اللعبة فيها مع التدخل العسكري الروسي هناك.
الفارق بين الأزمتين أن ليبيا في حالة فوضى وفراغ سياسي بعد قتل القذافي، وتوجد هناك ميليشيات وقوى سياسية لا ينقصها السلاح، لكن لا أحد منها يستطيع القول بأنه يسيطر على البلاد بالكامل، وهناك من يغذي ذلك لإشاعة عدم الاستقرار. وفي سوريا لم يسقط رأس النظام أو أجهزته، لكن سيطرته وقوته انحصرت في ثلث البلاد، بينما البقية تتقاسمها جماعات ما بين معارضة مسلحة وميليشيا طائفية وتكفيرية، وكان الوضع في حالة جمود مع عدم مقدرة أي طرف على إحراز انتصار كامل.
التدخل الروسي غيّر قواعد اللعبة في سوريا، كما صرح مسؤول أوروبي أمس على هامش الاجتماعات الوزارية، التي طالبت موسكو بوقف ضرباتها للمعارضة المعتدلة، ولكن الرهانات مفتوحة بين تكرار تجربة أفغانستان، لكن هذه المرة في قلب الشرق الأوسط أخطر منطقة في العالم، ولا تنتهي صراعاتها وحروبها. وفي ليبيا أيضًا قد يغير الموقف الحازم لمجلس الأمن قواعد اللعبة، ويوقف الحرب بالوكالة التي تدور على الأراضي الليبية.
هو مفترق طرق في ليبيا وسوريا ويمس المنطقة كلها، لكن الأخيرة أخطر، لأن الرهانات عالية الآن، فالروس في الجو مع الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين والأتراك، بينما الأميركيون بدأوا مدّ المعارضة بصواريخ حديثة مضادة للدبابات. لكن الأكيد أنه بالنسبة للمنطقة، فإن إطفاء الحرائق هو مصلحة شعوبها في فترة صعبة تشبه بداية الألفية الماضية، التي رسمت فيها خرائط المنطقة على يد قوى خارجية.