حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

تأجيج سوريا!

هل ما يحدث في سوريا هو مقدمة للحرب العالمية الثالثة التي طالما توقع وتحدث عنها عدد غير قليل من المحللين والمنظرين السياسيين منذ فترة ليست بالقليلة؟ أم هي حرب نهاية الزمان التي تحدثت عنها بأشكال مختلفة الأديان السماوية؟
مع زيادة المواجهات العنيفة وتعقيد الأوضاع العسكرية والسياسية ورفع الشعارات العنترية على ألسنة قادة الدول العظمى من جهة أو رفع الرايات والتصريحات الدينية من مختلف المشارب من جهة أخرى، وهي كلها تصب في اتجاه تأجيج العنف والحرب، وتصعيد الموقف تأزمًا ودمارًا لإرضاء الخلفية التي ينطلق منها صاحب الموقف، يصبح التوقع بنهاية سعيدة بعيد المنال. بشار الأسد نفسه والمحيطون به كافة لا يصدقون أنه «يستحق» كل هذا التصعيد وكل هذه التضحيات، وهو الذي لم يكن خيار أبيه الأول أصلاً. ولكن سوريا تحولت إلى أرض لسداد كثير من الفواتير السياسية المختلفة لفرق وأطراف متفرقة. القوات التي تسمي نفسها «الجهادية» انتهت مهمتها في أفغانستان والشيشان وحوصرت في العراق فتوجهت إلى سوريا، والقوات التي تسمي نفسها بالمقاومة عندما انتهى دورها تمامًا في أي مواجهة مع إسرائيل (بالاتفاق والتعاهد) توجهت إلى سوريا للقتال تحت حجج واهية، وطبعًا هناك الصراع الواضح بين روسيا وأميركا المتعلق بالسيطرة على مناطق نفوذ مهمة سواء أكانت لأجل النفط أو الغاز أو طريق أنابيب الغاز المستقبلية، أو موقع على البحر المتوسط لقاعدة عسكرية، أو لحماية واحترام حقوق ومصالح ونفوذ إسرائيل. هناك طبعًا مصالح إقليمية مختلفة مهددة بوجود نظام حكم في سوريا سمح لنفسه أن يكون «قاعدة» كبرى لتنفيذ خطط التوسع لمشروع تصدير الثورة الإيراني، وهذا طبعًا ليس في عهد بشار الأسد فقط ولكنه بدأ منذ عهد حافظ الأسد نفسه، وأصبح هذا المشروع يهدد بشكل عملي وفعلي الأمن الوطني لمعظم دول المنطقة العربية، كما بات معروفًا وغير خفي.
في ظل غموض موقف أميركا من دخول القوات الروسية (بالقوة) وفرض الأمر الواقع على الأرض، فهي من جهة تؤيد الضربات التي تقوم بها القوات الروسية على تنظيم داعش الإرهابي، ولكنها تعترض على دعم الروس لبقاء الأسد؛ لأن ذلك هو أحد الأهداف التي يروج لها في هذا الحملة، يكون التوقع بما هو آت صعبًا وغامضًا. واليوم هناك قناعة تولدت «بضرورة» بقاء الأسد في دوائر كثيرة في الغرب مثل أميركا وبريطانيا وألمانيا، وهذه القناعة ظهرت في العلن بعد لقاء نتنياهو وبوتين في موسكو الذي تم فيه الاتفاق على الحراك الروسي في الداخل السوري، وبذلك تدخل إسرائيل بشكل «علني» و«واضح» على خط الحفاظ على نظام الأسد الذي تراه «راعيًا لأمنها ويؤتمن جانبه لأنه لن يعتدي عليها» بحسب ما صرح أكثر من مسؤول إسرائيلي، ومن ضمنهم رئيس الموساد الأسبق الذي أضاف مؤكدا: «إننا على تفاهم معه».
روسيا دخلت على الخط لحماية أمنها بحسب ما صرحت، فهي رأت أن تأجيج الصراع الطائفي بين قوى ظلامية مثل إيران و«داعش» وحزب الله و«القاعدة» سيصب في الداخل الروسي وتحديدًا في الجمهوريات الإسلامية فيها، ولذلك ترى أن الموضوع لا يمكن استمراره كما كان ولكن رفع الشعارات وإدخال «الكنيسة الأرثوذكسية» على الخط وأنها تبارك «الحرب المقدسة» في سوريا، ورفع دعاوى «نفير وجهاد» من رجال دين غير معروفين.. كله يؤجج أرضا محروقة لا خلاص لها سوى خروج الدخلاء منها والخلاص من الأسد.
مختصر مفيد، وإذا لم يتم ذلك الأمر فالتأجيج مرشح لأن يستمر.