جستن فوكس
TT

الاقتصاد العالمي يعاود سيرته في التسعينات

تشهد أسعار النفط تراجعًا يبدو من المتعذر إيقافه، في الوقت الذي تعاني فيه الأسواق الناشئة من أزمات تتعلق بعملتها، ويتباطأ اقتصاد الصين القوة الاقتصادية الشرق آسيوية ثاني أكبر اقتصادات العالم والتي بدا من قبل أنه من المستحيل كبحها.
أما روسيا، فتعاني من فوضى اقتصادية، بينما تقف قرارات سياسية ألمانية وشكوك حول العملة الأوروبية الموحدة عقبة في طريق الاقتصاد الأوروبي. في الوقت ذاته، يبدو الاقتصاد الأميركي قويًا نسبيًا، لكنه يعاني من معضلة إنتاجية تتسبب في عدم ترك الإبداعات المذهلة لمنطقة «وادي السيليكون» تأثيرًا يُذكر على البيانات الاقتصادية.
والتساؤل الذي يثيره كل ذلك: هل يبدو العام الحالي وكأنه ينتمي لتسعينات القرن الماضي؟
لن أخوض هنا في تشابهات أخرى على الصعيد السياسي، مثل حقيقة أن لدينا فردًا من آل كلينتون وآخر من آل بوش يترشحان للرئاسة، بينما يفكر آل غور في الأمر.
في الواقع، على الصعيد الاقتصادي وحده، هناك الكثير من التشابهات بين الوضع الراهن وما كان عليه الحال منتصف تسعينات القرن الماضي تحديدًا.
كذلك أعتقد أن جميع التشابهات التي ذكرتها في الفقرة الأولى قادرة على تفسير نفسها بنفسها، ما عدا ما يتعلق بالصعيد السياسي الألماني. وجدير بالذكر هنا أن المستشار الألماني آنذاك، هيلموت كول، أصدر عام 1990 قرارًا سمح لسكان ألمانيا الشرقية بمبادلة مارك ألمانيا الشرقية الذي كان بلا قيمة تُذكر بالمارك الألماني بمعدل صرف 1:1 مما تسبب في إصابة الدولة الموحدة بخمول اقتصادي استمر لسنوات، وأثر على الدول المجاورة أيضًا. وفي السنوات الأخيرة، تسببت إجراءات التقشف المفروضة في جزء منها من قبل سياسيين ألمان على دول جنوب أوروبا في تعطيل النمو بمنطقة اليورو.
والملاحظ كذلك أن هناك بعض العوامل الاقتصادية الفاعلة التي تجعل 2015 شبيهة بـ1995، منها تراجع أسعار السلع، مثلما سبق أن حدث في التسعينات. ويتمثل عامل آخر مشابه في عودة الاقتصاد الأميركي لمكانته باعتباره المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي، مما يؤدي لتعزيز الدولار بشدة. في الواقع، يرتبط هذان العاملان ببعضهما بعضًا؛ فرغم الطفرة التي شهدها الإنتاج النفطي الداخلي أخيرًا، تبقى الولايات المتحدة بصورة عامة دولة مستوردة للسلع. وعليه، فإن انخفاض الأسعار يميل لدفع عجلة النمو. وينطبق القول ذاته كذلك على الاقتصادات الكبرى الأخرى بالعالم - أوروبا الغربية واليابان والصين - لكنها جميعًا تواجه مصاعب اقتصادية تعتبر الولايات المتحدة بمأمن منها. وعليه، نجد أن نصيب واشنطن من الإنتاج الاقتصادي العالمي في تصاعد.
بيد أنه، على المدى الطويل، ينكمش نصيب الولايات المتحدة مع تنامي ثروات دول أخرى. كما كان هناك تأثير دوري قوي، حيث يبدو الآن أن الدورة بأكملها قد تكون قد انقلبت. وإذا كان الحال كذلك، فإن هذا يعني أننا قد نشهد سنوات قليلة أخرى يتنامى خلالها النصيب الاقتصادي الأميركي تمامًا، مثلما حدث في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي.
وسيعود جزء كبير من هذه المكاسب إلى تأثير تزايد قوة الدولار، مما سيخلق ضغوطًا على دول تربط عملاتها بالدولار، مثلما حدث في أواخر التسعينات. ويعني ذلك حدوث مزيد من الانهيارات في عملات الأسواق الناشئة، وربما اندلاع أزمات مالية. حال وقوع مثل هذه الأزمات في أواخر التسعينات، كان من الطبيعي أن تثير هذه الأزمات فزع المستثمرين، وعادة ما تسفر عن تراجع مؤقت في أسعار الأصول، لكن في نهاية الأمر كانت النتيجة دائمًا تدفق مزيد من الأموال إلى داخل الولايات المتحدة، واستمرار النمو الاقتصادي. واستلزم الأمر في النهاية ظهور فقاعة داخلية في سوق الأسهم، وحدوث انهيار اقتصادي، لينتهي الموقف بأكمله.
بطبيعة الحال، لعبت هيئة الاحتياطي الفيدرالي برئاسة آلان غرينسبان دورًا في كل ذلك - حيث عمدت إلى كبح جماح معدلات الفائدة الآخذة في الارتفاع عام 1995 نتيجة لاعتقاد ساد بأن البلاد على وشك معاينة ازدهار محدود في الإنتاجية (الرئيسة الحالية لهيئة الاحتياطي الفيدرالي، جانيت يلين، كانت محافظة بالهيئة حينها وأيدت هذا التوجه)، ثم قلصتها أواخر عام 1998 ردًا على عجز روسيا عن سداد ديونها، وما تبع ذلك من انهيار صندوق التحوط «لونغ تيرم كابيتال منيجمنت». إلا أن تخفيض معدلات الفائدة سيكون أصعب كثيرًا هذه المرة مع وجود المعدلات الفعلية الحالية للأموال الفيدرالية عند مستوى 0.15 في المائة، بجانب وجود مخاوف واسعة من أنه في أعقاب الإنفاق على امتداد السنوات الست الماضية في محاولة للحفاظ على الاقتصاد عائمًا بعد مروره بأزمة مالية تاريخية، لم يتبقَّ لدى الهيئة ذخيرة وفيرة.
وهنا يكمن اختلاف واحد كبير عن التسعينات. ويتمثل اختلاف آخر في أن الاقتصاد الشرق آسيوي العملاق المتباطئ - الصين هذه المرة، بدلاً من اليابان - أصبح يمثل نصيبًا أكبر بكثير في الاقتصاد العالمي، لكنه أفقر كثيرًا بالنسبة للفرد، الأمر الذي قد يخلف تداعيات اقتصادية وسياسية شتى. ويتمثل اختلاف آخر في أنه بينما لا تزال واشنطن لب الاقتصاد العالمي، فإنها أصبحت لبًا أصغر كثيرًا عما كانت عليه في التسعينات، وبالتالي قاطرة للاقتصاد العالمي أقل استحقاقًا للاعتماد عليها.
ومع ذلك، يبقى الوضع الراهن مألوفًا، لكن ما يحير حقًا: هل ينبغي أن نشعر حيال ذلك بالطمأنينة أم القلق؟
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»