عادل درويش
صحافي معتمد في مجلس العموم البريطاني، وخبرة 55 عاماً في صحف «فليت ستريت». وكمراسل غطى أزمات وحروب الشرق الأوسط وأفريقيا. مؤرخ نشرت له ستة كتب بالإنجليزية، وترجمت للغات أخرى، عن حربي الخليج، و«حروب المياه»؛ أحدثها «الإسكندرية ، وداعاً: 1939-1960».
TT

سقوط الأقنعة

توقيت هجمات الإرهاب كشفت الأدلة الظرفية لارتباط الشبكات الإرهابية للفاشية الدينية بالحبل السري لرحم جماعة الإخوان المسلمين.
بعد تونس وفرنسا والكويت والصومال، الجيش المصري يشيع جنازات أبطاله الذين سقطوا في حرب الوطن على الإرهاب.
سقط قناع المؤسسات السياسية الغربية وصحافة اليسار بقيادة «بي بي سي» و«الغارديان» التي تضع التلسكوب على العين العوراء وترفض ربط الإخوان وتنظيمهم الدولي بشبكته العنكبوتية: عصابات كـ«جند بيت المقدس» (الإخوان في سيناء) أو «داعش»، أو «بوكو حرام»، و«الشباب» الصومالية، و«جبهة النصرة»، و«القاعدة»، وأمثالها..
سقط القناع عن البيت الأبيض وساكنه الذي يرفض تسليح المقاتلين الأكراد، القوة الفاعلة التي تحرر كثيرا من المناطق من «داعش».
وسقط القناع عن المزيفين والمدعين الليبراليين والثوريين – «تخاريف صيام» تلعب بعقولهم فيطالبون بقوات دولية إلى سيناء - فهل نساوي أخلاقيا ومعنويا بين جيش أقدم دولة عرفها التاريخ وحثالة مجتمعات الأرض الذين تجمعوا في سيناء؟
ألا يعون أنه في الحرب الضروس يصبح الخط الفاصل بين «المعارضة» و«الخيانة العظمى» شعرة لا تراها العين المجردة؟
وجه إرهاب الفاشية الدينية لطمة للإنسانية بأربعة أعمال إرهابية في ثلاث قارات في يوم واحد فلماذا أجل الفاشيون الإخوان المظلمون عمليتي الإرهاب ضد مصر بضعة أيام وليس الجمعة 26 يونيو (حزيران)؟
جاء توقيت اغتيال المدعي العام المستشار هشام بركات والهجمات في سيناء في وقت كانت كاميرات الصحافة العالمية تركز على تونس (زيارة وزيرة الداخلية البريطانية ووزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط للاجتماع المتلفز بالحكومة التونسية).
فكانت الأخبار ثانوية باستثناء مصر وبلدان الخليج الحليفة.
بروباغندا «داعش» والفاشية الدينية تعتمد على الصحافة العالمية لتبهر الشباب فيبحث عن مواقعها على الإنترنت ويجند لصفوفها تحت وهم «تأسيس دولة الخلافة الداعشية» بنظرية الإخوان القطبيين (نسبة إلى السيد قطب) في تكفير المجتمع المحيط، فلماذا اختارت توقيت الهجوم على مصر بعيدا، نسبيا، عن أضواء الكاميرات؟
معظم الصحافة الغربية موقفها معاد لمصر – لأسباب معقدة، ورؤية الشرق الأوسط كله كعالم يفضل أن يحكمه نظام إسلامي – وتدافع عن الإخوان وتتعمد عدم ربطهم بالإرهاب كمحرك لخيوطه.
ولو كانت عمليات الإرهاب ضد مصر جاءت في اليوم نفسه لمذبحتي تونس والكويت ومصنع جنوب فرنسا، لكان المحللون والخبراء والمعلقون في استوديوهات التلفزيون العالمية قد ربطوا العمليات كلها وتصحح المغالطات التي روجتها «بي بي سي» و«سي إن إن». يربط الرأي العام العالمي بين الإخوان والإرهاب. ذلك سينسف كل جهود وأموال التنظيم الدولي للإخوان الذي يقدم نفسه كمعارضة غير إرهابية كحكومة بديلة في مصر.
والمؤسسة السياسية في واشنطن ولندن (وبعض عواصم الغرب) لا تزال تتخذ موقفا مناهضا من مصر.
لجنة العلاقات الخارجية في وستمنستر في البرلمانين السابقين (2005 - 2010 و2010 - 2015) كان موقفها متفهما من الإرهاب والفكر الإرهابي الذي تروجه الجماعات الفاشية الدينية. برلمان 2015 الجديد انتخب رئيسا للجنة معروفا بموقفه المعادي لمصر والمتعاطف مع الإخوان (نزل ضيفا عليهم بدعوة من رجل أعمال إخواني وقضى بضعة أيام في اعتصام رابعة العدوية).
التنظيم الدولي للإخوان سبق الدبلوماسية المصرية (بمراحل) إلى محاولات تضليل البرلمان البريطاني الذي لا يعرف معظم نوابه أن القيادي الإخواني البلتاجي كرر في تصريحاته لقناة «الجزيرة» الفضائية أن الإرهاب سيتوقف في اللحظة نفسها التي يتم فيها الإفراج عن محمد مرسي وعودته إلى قصر الرئاسة.
الدليل الآخر هو خصومة الإخوان التاريخية مع النظام القضائي المصري. فهم التنظيم الوحيد في مصر (حتى عندما كانت تعج بالأحزاب والجماعات السياسية من اليسار إلى اليمين في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي) الذي بادر باغتيال القضاة ووكلاء النيابة. مرشدهم الأول حسن البنا أصدر أوامره باغتيال القاضي أحمد بك الخازندار بقوله «خلصونا من هذا القاضي».
ومرسي عندما كان رئيسا بدأ بتصفية مكتب النائب العام وإقالة رؤساء النيابة عند طلب مقابلته في القضية التي رفعها أقارب حراس سجن وادي النطرون الذين قتلهم الإخوان وحلفاؤهم من متسللي حماس لتهريب مرسي. ثم أقال عددا من القضاة وحاصر بلطجية وإرهابيو الإخوان المحكمة الدستورية لمنعها من الاجتماع في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012.
للأسف هذه الحقائق والمعلومات والأدلة غائبة عن المؤسسات السياسية الغربية وبرلماناتها وصناع الرأي العام الغربي. (إحدى قيادات التنظيم الدولي التي تقدم نفسها كوجه لمجلسهم المعارض لمصر وهي قريبة دم من الدرجة الأولى لزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري أرسلت لمجلس اللوردات في وستمنستر تطلب لقاءهم بغرض تشويه صورة مصر طبعا في شكل الاحتجاج على إصدار محكمة مصرية حكم الإعدام ضد إرهابيين من الإخوان، الطريف أن أحد اللوردات أخرسها بالسؤال: «ولماذا لم يستبدل الإخوان عقوبة الإعدام بالسجن المؤبد عندما كنتم في الحكم؟»).
ولذا بعد سقوط الأقنعة فليدرك العرب أن الغرب بزعامة أميركا، سواء عن قصد أو عن جهل أو سوء فهم، لن يتحرك بالجدية نفسها التي تحرك بها لإسقاط العقيد القذافي أو غزو العراق لمواجهة «داعش» ونصرتهم: ولذا فالمطلوب مبادرات وتحرك عربي في الحرب على الإرهاب كمصلحة مشروعة. ولنا قدوة في مبادرة السعودية للتحرك في اليمن دون تنسيق مسبق مع واشنطن ووضعها أمام الأمر الواقع.
فالهدف الأول من العمليتين الإرهابيتين لـ«داعش» أو «الإخوان» أو «جند بيت المقدس» (كلهم تنظيم واحد) كان تكتيكا محليا ضمن الاستراتيجية الكبرى للسيطرة على مصر تمهيدا للسيطرة على المنطقة كلها. والخطوة الأولى إرهاب الشعب المصري وإدخال الرعب في قلوب جند مصر.
فتكتيك الداعشيين في احتلال الموصل وكثير من المدن العراقية يسير في خطين؛ أولا نشر صور الذبح والتنكيل وقطع الرؤوس والتمثيل بالجثث لإضعاف الروح المعنوية لجنود الجيوش النظامية وإرهاب المواطنين. وثانيا استخدام الانتحاريين في قيادة سيارات المتفجرات في نقاط التفتيش ومداخل المراكز الأمنية والمباني الحكومية ثم الهجوم من مختلف الاتجاهات. والنتيجة أن انسحبت كثير من الوحدات العسكرية العراقية وتركت المدن في أيدي «داعش» بعد خشية الجنود من بطشهم.
لكن الإرهابيين واجهوا جنودا يحاربون بعقيدة ألا يرتفع علم في سواد نياتهم ووجوههم وقلوبهم على أي موقع في سيناء. وصمود الجيش المصري كأهم مؤسسة ثابتة في أركان الدولة المصرية لآلاف السنين، هو العقبة الكؤود في المخطط الإخواني الإردوغاني للسيطرة على المنطقة.
وواجب العالم اليوم، خاصة العرب والمسلمين، تقديم كل دعم وعون إلى الجيش الذي انحاز إلى الشعب في مواجهته مع نظام الإخوان قبل عامين ولا يزال يحمي المنطقة كلها من السقوط في يد الفاشية الدينية.