زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

في العلا تراث حي!

غادرت المدينة المنورة متجهًا إلى آثار مدينة العلا؛ وبصحبتي الآثاري النشيط؛ جمال عمر - مدير عام المتحف الوطني بالرياض. وتعتبر آثار العلا من أهم المواقع الأثرية على خريطة حضارات العالم القديم؛ لا سيما وأنها تضم موقع مدائن صالح. والمدينة بها التسهيلات التي تؤهلها أن تصبح أهم مدينة سياحية بالمملكة، حيث يوجد مطار منظم؛ يخدم المنطقة سياحيًا، بالإضافة إلى طرق رائعة، وكل ما تحتاجه العلا مزيد من الفنادق لإقامة الزائرين؛ فزيارة آثار العلا تحتاج إلى يومين إن لم يكن أكثر.. ويحرص معظم الأجانب المقيمين بالمملكة على زيارة العلا.
أما عن السبب الذي جعل من المدينة منطقة أثرية مهمة، فهو موقعها على الطريق التجاري القديم للقوافل التي تأتي من جنوب شرقي آسيا، وجنوب شرقي أفريقيا، وجنوب الجزيرة العربية، وكانت القوافل تحمل العطور والتوابل والبخور وجلود الحيوان والعاج والأقمشة وغيرها من منتجات العالم القديم؛ وقد أدى ذلك بالطبع إلى ثراء مادي وحضاري مذهل في العلا. وأهم المواقع الأثرية التي قمت بزيارتها هو موقع عكمة، ومسجل به كثير من النقوش التي تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد، وهي نقوش دينية، توثق لصيغ الدعوات والقرابين التي تقدم للإله؛ وقد نقشت بالخط المسند الرائع.. ويتقدم موقع عكمة مركز للزوار يحكي تاريخ الموقع الأثري ويشرح أهميته للزائرين. وقد أشار مرافقنا بالموقع؛ الآثاري مطلق المطلق إلى الجبل الشهير المعروف باسم «جبل الحوارة» بمعنى (الناقة الصغيرة)؛ حيث المعتقد أن ناقة سيدنا صالح عليه السلام قد خرجت من موضع بالجبل. كان من الواضح مدى عشق مطلق لعمله ولآثار العلا والتراث السعودي. وقد علمت أن الأمير تشارلز جاء إلى منطقة العلا بصحبة الأمير سلطان بن سلمان، لزيارة المواقع الأثرية والمدينة القديمة؛ وكانت الزيارة مفاجأة سارة لأمير ويلز؛ فالحقيقة أن متاحف ومناطق آثار المملكة ومدى الاهتمام بصيانة وحفظ تاريخ وحضارة شبه الجزيرة العربية أمر لا يعلمه الكثيرون بالعالم الخارجي وقد انطبعت في أذهان الغرب صورة راسخة؛ لا أعلم بالضبط السبب فيها؛ وهى أن السعودية لا تهتم سوى بتاريخ الإسلام؛ والحضارة الإسلامية. وذلك على الرغم من أن الإسلام نفسه يحث ويدعو إلى السير في الأرض ورؤية آثار السابقين للعبرة والموعظة - أي للعلم والمعرفة - وهي دعوة إلى حفظ التراث الإنساني وعدم هدمة وتدميره.
توجهنا بعد زيارة عكمة إلى الخريبة، وهو مدينة بجوارها مقابر على سفح جبل، وبها ثمانية عيون مياه، لكل عين اسم، وهناك قابلنا بعثة حفائر جامعة الملك سعود، وهذا هو العام الثاني عشر لعمل البعثة، وقد سبق أن قام جمال عمر بأعمال الحفائر بهذا الموقع لمدة ثلاثة مواسم متتالية، والمنطقة دينية ويوجد بها المعبد، ويتم تدريب الطلاب على أعمال الحفائر، وقد أُعجبت بطريقة الحفر والتسجيل والتدريب.. ويوجد أيضا موقع الحارة وبها آثار ما قبل التاريخ.. وهناك برنامج رائع لزيارة الصحراء. وفى العلا أيضا المدينة الإسلامية المبكرة، والتي بُنيت في القرن السابع الهجري، حيث المنازل من الحجر وعليها نقوش، ويوجد بالمدينة سبعة وثمانون منزلا بحواريها القديمة، وبالمدينة أيضا أربع عشرة بوابة، وتجري أعمال الترميم للمنازل بإشراف الهيئة العامة للسياحة والآثار.
وعلمت أن الأمير سلطان بن سلمان يحلم ببناء متحف للنباتات ليوثق لتاريخ النباتات بالمنطقة واستخداماتها المختلفة وعلى رأسها النباتات الطبية وتاريخ العلاج بالأعشاب الطبية. انتهت رحلتنا بالصعود ألفي متر إلى أعلى الجبل لنشاهد مدينة الجمال والسكون المسماة بالعلا.