حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

قرار شجاع من ملك حازم!

المجتمعات تكون الدول، وعلاقة المجتمعات بالدولة هي التي تشكل الأوطان. الوطن هو الكيان الذي يجمع داخله من ينتمي إليه مهما اختلفت وتشكلت خلفياتهم، فهم في البداية والنهاية «مواطنون» لهم ما لهم وعليهم ما عليهم. هذا هو العرف والمنطق اللذان اتفق عليهما المجتمع الدولي المعاصر في تعريف علاقة الدولة بالمواطن، وعرف علماء الاجتماع تعريف المواطن والوطن، وبالتالي يصبح من المهم جدا التصدي لكل حالات التعدي والتطرف الطائفي والعنصري التي قد يفرزها أي طرف في المجتمع فورا، لأن السكوت عن ذلك الأمر له ردات فعل مرعبة سيكون نتاجها إحداث شروخ في جسد الوطن ثم تحول إلى ورم سرطاني عنيف ينهش بلا رحمة ولا هوادة مولدا انقسامات لا تلتئم جروحها لمدة طويلة جدا من الزمان.
يتحدث السعوديون هذه الأيام بمزيد من الفرحة والافتخار بقرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حينما أصدر أمرا سريعا بحق أحد الأمراء بسبب تفوهه بعبارات نابية ذات دلالات عنصرية عندما كان ضيفا على أحد البرامج الحوارية الرياضية في إحدى قنوات التلفزيون السعودي، وقد كان تفاعل السعوديين ظاهرا على هذا التصرف على شبكات التواصل الاجتماعي. وقد كان لقرار الملك الحاسم والحازم الأثر الإيجابي العظيم في نفوس السعوديين، وهي مسألة كانت مهمة جدا أن يتم التعامل معها بشكل حاسم وحازم لأن السعودية في حالة حرب وأي نوع من هذه التصريحات يمس صلب الوحدة الوطنية والنسيج الوطني، وهي بالتالي مسألة يجب اعتبارها مهددة للأمن الوطني نفسه.
هذه الحالة الإيجابية مطلوب استثمارها على الفور باستصدار نظام قوي وصريح وواضح يعالج كل مظاهر العنصرية والطائفية في كل مظاهر الحياة وأن تكون هناك توعية مجتمعية لا تقل عن الحملات التي خرجت من قبل ضد الإرهاب وضد المخدرات، فالوضع يحتاج إلى توعية وطنية حقيقية ضد العنصرية والتحذير الشديد منها، وأن يكون ذلك ضمن المناهج الدراسية، وأن تكون هناك حملات توعية تتبناها رعاية الشباب والاتحاد السعودي لكرة القدم في أوساط الأندية الرياضية والملاعب الرياضية لتصبح شعارا فعالا مثلما تم تبنيه في الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا والاتحاد الأوروبي لكرة القدم تحت اسم «لا للعنصرية» وأن تقوم وزارة الثقافة والإعلام بتبني أعمال درامية يتم إنتاجها بتكلفة معتبرة لإبراز هذه المشكلة وكيفية التعامل معها.
المجتمعات تتطور بقدر قدرتها على التعامل مع المواضيع الشائكة. العنصرية موجودة، أمر الأنبياء والرسل والأديان بمحاربتها والنهي عنها ولكن يجب مقاومتها بالقانون والعقوبة وعدم الاكتفاء بالدعوة الصالحة في هذا الاتجاه، فالأمثلة الكثيرة الموجودة التي حصلت لمجتمعات أخرى من المهم التمعن فيها والاستفادة منها. فهناك بعض المفردات التي بات مجرد التلفظ بها يعتبر جريمة تستحق العقوبة الجنائية الفورية وتمنع من التداول الإعلامي (مهما كانت حرية الإعلام مكفولة)، إذ باتت تعتبر من مهددات السلم الاجتماعي الأهلي.
حالة الارتياح بالقرار الحازم من الملك الشجاع التي حصلت في السعودية تستحق أن تتوج بنظام «مؤسسي» لا يسمح بتكرار ذلك مرة أخرى، وقتها ستكون السعودية انتقلت نقلة تاريخية وعظيمة وهي تستحق ذلك.