تدخل جهود فريق أوباما في المفاوضات الدائرة مع إيران للتوصل لاتفاق قد يحول بين الإيرانيين وتطوير سلاح نووي لمدة 10 سنوات على الأقل، مرحلتها الحاسمة والنهائية.
أتمنى أن يتم التوصل لاتفاق جيد يتضمن آليات يمكن من خلالها متابعة تنفيذ الاتفاق، ولكن أمرا مثل هذا لن يكون سهل المنال؛ لأنه لو كان كذلك لكنا حصلنا عليه بالفعل. وفيما يلي أهم التحديات:
أولاً، بوسعك أن تتفاوض مع خصم لا تثق به للتوصل لاتفاق بسيط للحد من التسلح، وقد فعلنا هذا مع الكرملين أثناء الحرب الباردة. ما أعنيه بكلمة بسيطة هو أنه اتفاق لا يتضمن تحريك أجزاء كثيرة بالإضافة إلى احتوائه على آليات واضحة تتيح متابعة تنفيذ الاتفاق ولا تتطلب توفر الكثير من حسن النية لدى الطرف الآخر.
يمكنك أيضا أن تتفاوض مع دولة تشاركك مبادئك للتوصل لاتفاق حول عملية معقدة للحد من التسلح كما هو الحال مع اليابان وكوريا الجنوبية، حيث تُخضِعان منشآتهما النووية للتفتيش الدولي. لكن ما يصعب وضعه قيد التنفيذ هو التوصل لاتفاق معقد للحد من التسلح مع خصم لا تثق به مثل إيران أو كوريا الشمالية. فتحريك كل جزء يتطلب بعضا من حسن النية لدى الطرف الآخر ونظرًا لأن هناك الكثير من الأجزاء التي يتعين تحريكها فإن فرصة اللجوء إلى الخداع ستتوفر بكثرة، مما يستلزم توخي الحيطة بصفة مستمرة. فهل الولايات المتحدة وروسيا والصين وأوروبا مستعدة لتحمل هذا الوضع لمدة عشر سنوات؟
بعد غزو العراق غفلنا عن مراقبة كوريا الشمالية وكانت النتيجة نجاحها في تخصيب اليورانيوم وبناء قنبلة نووية. أما في حالة إيران فإن وزارة الطاقة الأميركية تعتزم وضع عدد كبير من أجهزة الرصد الجديدة بداخل كل ركن من أركان المنشآت النووية الإيرانية وهي خطوة معززة لضمان عدم تلاعب إيران ولكن يجب أن يتضمن الاتفاق إجراءات رادعة ضد أي محاولة للخداع من قبل الإيرانيين، بل وإجبارهم على دفع ثمن باهظ إذا أقدموا على ذلك.
التحدي الثاني هو أن هذا الاتفاق، بالنسبة لنا، يمثل اتفاقية للحد من التسلح، لكن بالنسبة لإيران فهو يمثل «أزمة هوية» يتطلب منها إيجاد حل لها لكن ليس من الواضح حتى هذه اللحظة مدى قدرتها على التوصل لحل، حسبما يقول روبرت ليتواك من مركز ويلسون ومؤلف كتاب «الدول المارقة: استراتيجيات أميركية للاحتواء والتعامل مع أو تغيير الأنظمة».
كانت العقلية التي تعاملت الولايات المتحدة بها مع إيران، حسبما يقول ليتواك، أشبه بـ«أزمة الصواريخ الكوبية في مواجهة حرب الثلاثين عاما»، بالنسبة لنا لا يعدو الأمر كونه مفاوضات نووية محضة ولكن بالنسبة لإيران فهو «مقدمة للدور الذي تطمح إيران إلى لعبه، فهل ستكون دولة عادية أم ستكون الدولة الإسلامية الثورية. وهذا الانقسام حول ماهية الدور الإيراني تعود جذوره إلى ثورتها» عام 1979.
معظم الثورات، في نهاية المطاف، تمر عبر عملية إعادة توازن ثقافي تؤدي إلى كبح جماحها وتحويلها لمسار طبيعي يسعى لتحقيق الاندماج، لكن حسبما يقول ليتواك فإن «إيران لم تمر بتلك العملية قط، بل أخذت في دغدغة أحلامنا عبر انتخاب رؤساء إصلاحيين لا يسيطرون على مقاليد الأمور، وحينما يحتدم الأمر فإنهم لا يجرؤون على الوقوف أمام التيار المتشدد الممثل للدولة العميقة والمستحوذ على أي قرار يتعلق باستخدام القوة» والتحكم في برنامجها النووي.
هناك تيار متشدد في طهران لا تمثل الأسلحة النووية بالنسبة له وسيلة ردع ضد غزو أجنبي فحسب، بل تمثل أيضا شوكة في حلق العالم للحؤول دون حدوث ذلك الاندماج الذي سيفتح أبواب إيران على التأثيرات القادمة من الغرب والولايات المتحدة، وهو انفتاح يخشى معه التيار المتشدد أن يؤدي إلى انطفاء ما تبقى من جذوة الحماس الثوري الموجودة في نفوس الشباب الإيراني الذي ضاق الكثير منهم ذرعًا بالعزلة التي تعانيها إيران. وهو السبب نفسه الذي دفع بالمرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، إلى الإقرار بالحقيقة عندما صرح مؤخرًا بأنه لم يصل بعد لقرار بشأن هذا الاتفاق. إنه يعاني من أزمة هوية. فهو يريد تخفيف العقوبات دون اللجوء إلى تحقيق تكامل. فبعد كل شيء، لو أصبحت إيران دولة عادية، فمن سيكون حينها بحاجة لرجل دين من العصور الوسطى ليتولى منصب «المرشد الأعلى»؟
التحدي الماثل أمام أوباما هو ما إذا كان في مقدوره التوصل لاتفاق مع إيران «لا يغير من الشخصية ولكن يغير السلوك فقط» حسبما يقول ليتواك. فمخطط أوباما، وهو ليس من قبيل الشطط، يعتمد على أنه إذا تمكن من دفع إيران للموافقة على إجراءات رقابية يعتد بها وحرمانها من تصنيع قنبلة نووية لمدة عقد من الزمان فهذا يعد في ذاته، وبالنظر للبدائل، دافعًا لإتمام الاتفاق. ثم العمل على دفع الشعب الإيراني لتغيير شخصية بلاده من الداخل. ولكن جزءا كبيرا من نجاح الاتفاق يعتمد على وضع آليات مراقبة محكمة و«خطة فورية لإعادة فرض العقوبات» إذا ما أقدمت إيران على الخداع وانتهاك شروط الاتفاق.
أظن أن الرئيس أوباما يعتقد أنه لا يوجد سبب أدى لإحباط السياسة الأميركية في الشرق الأوسط طوال الأعوام الستة والثلاثين الماضية أكبر من الحرب الباردة بين أميركا وإيران، وإذا كان بالإمكان التخفيف من حدة هذه الحرب فسيكون ذلك إنجازا يعادل الخطوة التي اتخذها نيكسون إزاء الصين ويفتح الباب للكثير من الاحتمالات.
أكرر مرة أخرى أن هذا ليس بالشطط، ولكنه ليس أمرًا سهل المنال أيضا بالنظر للقوى المسيطرة على مقاليد الأمور في إيران التي تحرص بناء على مصالحها الخاصة على إبقاء إيران بمعزل عن الغرب.
أما التحدي الأخير فهو على المستوى الإقليمي، فإيران بسكانها الذين بلغ تعدادهم 80 مليونا، تعد ببساطة أكثر قوة وديناميكية كدولة، في وقتنا الحالي، من معظم الدول العربية السنية الواقعة في غربها والتي انهار نصفها. فإيران، حتى لو كانت حسنة النية فإنها لا تملك سوى أن تظهر بمظهر الدولة القوية في نظر الدول الواقعة إلى الغرب منها؛ نتيجة الفراغ وهشاشة الأوضاع اللذين تعانيهما تلك الدول.
عندما انفتح نيكسون على الصين وساعد في إطلاق العنان لبراعتها الاقتصادية، كانت الصين حينها محاطة بدرجة كبيرة بدول قوية عسكريًا أو اقتصاديًا، مما أحدث اتزانا في موازين القوى في المنطقة. ولكن إيران التي سيؤدي تخفيف العقوبات عنها إلى ملء خزائنها بمليارات الدولارات ستصبح أكثر قوة مما هي عليه الآن بالمقارنة بجيرانها العرب الضعفاء.
ينتاب حلفاءنا في الخليج قلق عميق إزاء ذلك ويوجهون أنظارهم صوب الولايات المتحدة بحثًا عن الحماية والمزيد من الأسلحة الأكثر تطورًا.
أتفهم ذلك ولكن ما لم نتمكن من إيجاد طريقة نخفف بها من التوترات بين إيران والعرب، فإننا سنجد أنفسنا مطلقين العنان لإيران بينما نقوم بتعبئة ترسانات العرب بالأسلحة في الوقت ذاته.
لن يكون الحفاظ على هذا التوازن بالأمر الهين ولكن كل ما ذكر لا يجب النظر إليه باعتباره أسبابا لرفض الاتفاق ولكنها أسباب تدعو إلى إتمامه بإحكام.
* خدمة {نيويورك تايمز}