خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

سوء فهم

هناك سوء فهم تاريخي بين الشرق والغرب. ورغم كل وسائل المعلومات والثقافة فهذه الظاهرة مستمرة. عندهم في الغرب عشرات المراكز البحثية المتخصصة في شؤون الشرق، وعشرات المجلات والأبحاث والتقارير والزيارات الميدانية والعلاقات الدبلوماسية، ومئات الخبراء في شؤون الشرق، ومع ذلك نراهم يقعون باستمرار في هذا الخطأ الواضح، وهو أن كل ما تحتاجه الدول المتخلفة في أفروآسيا هو تطبيق وصفتهم في الحكم: ديمقراطية انتخابية ينتخب حكوماتها كل البالغين، أميين كانوا أو متعلمين.
وكذا الحال معنا.. لنا سفارات وممثليات في معظم الدول الغربية، وألوف الطلبة يدرسون لسنوات ويعودون منها ويشغلون مراكز ثقافية وعلمية، ويقرأون كل هذه الكتب والأبحاث الصادرة، ومع ذلك أراهم يكررون هذه الأخطاء المستمرة: كل شيء مؤامرات غربية ومكائد من ساسة الغرب.
بالطبع لا أريد أن أضيف خطأ آخر وأنفي كل ذلك جملة ومفردًا. بيد أنني أجد أكثر خبرائنا ومثقفينا يجهلون أو يتجاهلون كيف تتحرك الماكينة السياسية في الغرب. طالما أسمع هذا السؤال: لماذا تدخل الغربيون في ليبيا وامتنعوا عن التدخل في سوريا؟
نسيء فهم الماكينة السياسية الغربية لأننا لا نملك مثالاً مشابهًا لها في حاضرنا وماضينا. الحكومات الغربية خاضعة لبرلماناتها، يسقطونها إذا خالفتهم ولا أحد يحب السقوط. وبرلماناتها خاضعة لناخبيهم، لا ينتخبونهم إذا خالفوهم، وكلهم يريدون الاحتفاظ بمقاعدهم. يصبح الأمر خاضعًا للرأي العام، والشاطر من يؤثر عليه ويكسبه. نشهد في المعركة الانتخابية الجارية في بريطانيا الآن كيف تتسابق الأحزاب لمعرفة ماذا يريد الناخبون، لتتسابق بعد ذلك في الاستجابة لطلباتهم وأمانيهم وتغير برامجها وفق ذلك. تصدر يوميًا شتى الاستبيانات الميدانية لتعلم الأحزاب ماذا يريد الناس وكيف سيصوتون.
لم ينصف أوباما الفلسطينيين، وخيبنا جميعًا، لأنه لا يستطيع أن يتحدى المجلس، والنواب لا يستطيعون تحدي اللوبي اليهودي، والناخبون يؤيدون اللوبي وإسرائيل ويحبون اليهود. حاول كارتر أن يتحداهم فأسقطوه. وحاول ديفيد كاميرون أن يتدخل عسكريًا في سوريا لكن البرلمان رفض ذلك، فتراجع. وتأثر أوباما أيضًا بتصويت النواب البريطانيين فسحب يده من الموضوع. والآن، وقد مرت أشهر، أخذوا يرون كل هذه التمزقات والانشقاقات في سوريا فأعمت أنظارهم.
يعارض الناخبون في بريطانيا الآن تدخل بلدهم عسكريًا في الشرق الأوسط، بعد أن مرت أيام عصيبة وهم يرون مواكب تشييع أبنائهم القتلى في أفغانستان. تساءلوا: لماذا نضحي بشبابنا في مساعدة شعوب جحودة تعض يد من يساعدها وليس لها نفط أو غاز؟
لا تستطيع الحكومات الغربية أن تتحرك بنفس السهولة التي تتحرك بها معظم حكومات أفروآسيا. ولن ينسوا ما حدث لأنطوني إيدن. الرأي العام الغربي عملاق مارد احذر من تحديه، واسعَ لكسبه إنْ أردتَ منه شيئًا. ولن تكسبه بالاستعراضات والولائم والكرم الحاتمي. وقبل كل شيء علينا فهم العملية السياسية في الغرب وكيف تتحرك، وألا نقع في أوهام وتصورات خيالية.