علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

عن الثورات والعصابات

مايلز كوبلاند واحد من أشهر العاملين في المخابرات الأميركية في خمسينات القرن الماضي. ومن أشهر كتبه «لعبة الأمم» وفى هذا الكتاب في الطبعة العربية توجد مقدمة كتبها آيكل برغر وهو كما قدمه الكتاب أحد خبراء الحكومات العسكرية في العالم الثالث. وهو يقول في السطر الأول، عملية الثورة هي الوصول إلى السلطة والاضطلاع بها. بهذا نفهم بوضوح أن الوصول إلى السلطة ليس هو الغاية أو الهدف، بل «الاضطلاع» بهذه السلطة هو ما يعمل الثوار على الوصول إليه لأنه يكسبهم الشرعية أمام شعوبهم. وفى غياب «الاضطلاع» بهذه السلطة، لا يكون الثوار ثوارا بل عصابة خارجة عن القانون. الثوار لديهم كتاب، أما العصابات فلا كتاب لديهم لأنهم عاجزون عن القراءة. وهو بالفعل ما ينطبق على جماعة الحوثيين. لقد وصلوا بالفعل إلى كل مراكز السلطة ولكن ليس بهدف الاضطلاع بها بل للقضاء عليها. وهذا أمر طبيعي عند رجال العصابات، هم فقط يريدون أن يثبتوا لك ولأنفسهم أنهم أقوياء وأنك عاجز عن مقاومتهم وعاجز عن الدفاع عن نفسك في مواجهتهم.
رجل العصابة يعذبه إحساس دائم بفقدانه للشرعية، شرعية ما يرتكبه من أفعال، وبأنه خارج على أهله وخارج عن القانون، وهو ما يجعله في حالة انتظار مؤلم لتلك اللحظة التي يتم فيها القبض عليه وتقديمه للمحاكمة. لذلك هو يبحث دائما ليس عن حليف بل عن راع يرعاه ويرعى أعماله الإجرامية. راع يعمل من خلف ستار. حتى الجريمة لها رعاة تماما كبرامج التلفزيون، غير أن برامج التلفزيون أكثر شرفا لأنها تذكر أسماء هؤلاء الرعاة.
هناك، وسيكون هناك إلى الأبد، من يخشى أن تحدث حرب تتسع شيئا فشيئا في المنطقة بين السعودية وحلفائها من ناحية وبين وكلاء الدولة الإيرانية من ناحية أخرى.. حسنا وما هو البديل عن القرارات السعودية بالدفاع عن نفسها وعن شعبها وعن السلطة الشرعية المجاورة لها؟ البديل الوحيد هو أن تسكت، أن تلعب دور الأعمى الذي لا يرى ما ينسج له من مؤامرات. لا يوجد بديل عما فعلته الحكومة السعودية. لقد استمعت بدقة لعدد كبير من المواطنين العرب والفضل لإذاعة الـ«BBC» ولم يدهشني أن السيد عبد الملك الحوثي لجأ لاستخدام باب الشتائم في قاموس الضعفاء الذين لا يستندون إلى أي فكرة يدافعون بها عن أنفسهم وعن عصابتهم.
أعتقد أنه أكثرنا جميعا فهما لما سيحدث له، ستنتهي هذه الواقعة بتقديم سيادته إلى المحاكمة. سيقبض عليه رجل شرطة يمني، ويوجه له الاتهام نائب عام يمني، وسيحاكم أمام قضاة يمنيين في محكمة يمنية. هذا الهدف لا بد أن يكون معلنا بكافة وسائل الإعلان والإعلام، الغاية من هذه المعركة هي تقديم السيد المغامر الشتام إلى المحاكمة. هذه هي معركة الشعب اليمني والسلطة الشرعية اليمنية.
كلمة أخيرة، والله.. ليس في نيتي أن أهين أي شاب يمني من هؤلاء المخدوعين المضحوك عليهم، هؤلاء الذين سيموتون دفاعا عن زعيم لا يعرفون أنه رئيس عصابة قررت اغتيال اليمن. هم في سن المثالية والرومانسية، هم يتصورون أنهم يدافعون عن قيم عليا، وعلى استعداد لأن يموتوا من أجل ذلك. هذا هو أيضا ما يجب أن يدفع ثمنه السيد عبد الملك الحوثي.