نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

زمن نتنياهو

الخبر الجيد.. فوز القائمة المشتركة بأربعة عشر عضوًا في الكنيست، والخبر السيئ.. فوز نتنياهو بولاية رابعة، ما جعل فوز القائمة المشتركة شديد المرارة، فالنواب العرب سوف يسبحون في بحر مظلم، كان يمكن لهم أن يحققوا بعض الإنجازات لو أن الكنيست العشرين لم يُحدث تتويجا جديدا لنتنياهو، الذي رفعت القائمة المشتركة شعار إقصائه عن الحكم في إسرائيل، ولأن القائمة المشتركة ومهما بلغ ترتيبها في سجل القوائم الإسرائيلية، تظل على هامش القرار الرئيسي في الدولة العبرية، فإن ما حدث في إسرائيل أخيرا وهو الأمر الرئيسي، أن الجمهور الإسرائيلي ليس مستعدًا بعد إلا لإنتاج زعيم متشدد، ذلك أن الناخب الأساسي هو الخوف، وكان نتنياهو أبرع من منافسيه في تسويق هذه السلعة، وحصد نتائجها في صناديق الاقتراع وبالصورة التي رأيناها.
إن حجم فوز نتنياهو ينبغي أن يقوَّم من خلال حجم المعركة التي خاضها في وجه اصطفاف دولي ضده، لم تكن الإدارة الأميركية بعيدة عنه، كما انضم إلى هذا الاصطفاف بصورة دراماتيكية حشد كبير من كبار الضباط الإسرائيليين السابقين، وحشد أكبر من المثقفين والصحافيين والأكاديميين، حتى خُيّل لمن راقب المعركة عن كثب، أن زمن نتنياهو قد انتهى، وأن القيادة الإسرائيلية القادمة ستكون أكثر انسجاما مع الاتجاه الدولي الراغب في رؤية تسوية سياسية للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، مثلما هو راغب في وقف التنكيل الإسرائيلي بأبسط الحقوق الفلسطينية.
ولعل فوز نتنياهو بهذه الصورة يجسد أكثر ما يجسد فشل النخب الإسرائيلية المناوئة له في معرفة عمق التوجه اليميني داخل المجتمع الإسرائيلي، فقد ذهبت كل التحريضات والفضائح الشخصية والسياسية أدراج الرياح، لأن أحدًا من قوى اليمين المتغلغل في المجتمع الإسرائيلي لا يقيم وزنا لتصرفات السيدة سارة مع الخدم ولا يتأثر ببذخ حياة رئيس الوزراء وتزويره للفواتير، بقدر ما ينتبهون حقًا إلى المزايا التي يوفرها تحالف نتنياهو بينيت لهم، فهو ابنهم الذي لم ينتج اليسار مثيلا له في المغامرة والإقدام والفظاظة.
لقد شهدت الانتخابات الأخيرة نوعا من التبادل الدرامي بين نتنياهو ومنافسه الأول هرتسوغ؛ نتنياهو استفاد من منسوب الكاريزما المنخفض جدا لدى هرتسوغ، وهرتسوغ استفاد من الحملة الكونية الكبرى التي اندلعت ضد نتنياهو، فتقدم حزب العمل قليلا إلى الأمام وتقدم نتنياهو كثيرا، لأن الحكم في عملية التبادل هذه لم يكن العالم المتعقل، وإنما هو المستوطنون والمتشددون الذين لا يزالون يشكلون الأغلبية الظاهرة في إسرائيل، فما هو الخطر المترتب على فوز نتنياهو بولاية رابعة؟!
إنه أولا.. كسره الرقم القياسي للبقاء في موقع رئيس وزراء إسرائيل منذ تأسيسها، فمن يرجو منه مرونة بعد ذلك وهو الممتلئ يقينا بأنه ما حقق هذا الإنجاز التاريخي إلا بفعل تنامي النزعة اليمينية المتشددة في إسرائيل؟
وثانيًا.. إنه مضطر للوفاء بوعوده التي قطعها للناخبين في الجولة الأخيرة والتي أهمها وأفدحها الفاتورة السياسية التي لا تعطي الفلسطينيين شيئًا.
وثالثا.. إنه جاء رغما عن الإدارة الأميركية، التي خاضت حرب تشهير صريحة ضده وأفصحت عن رغبتها في إسقاطه، فإذا بها ومن حيث لا تدري سقط رهانها وفاز نتنياهو.
بعد هذا كله.. أي ملفات شرق أوسطية يمكن تقليبها مع هذا الرجل ولا أقول معالجتها؟
بقي أن نراقب عن كثب ماذا سيفعل نتنياهو بعد هذا الفوز الذي كان هو أكثر المتشككين في الحصول عليه فإذا به يفوق توقعات الخصوم والأصدقاء على السواء.